وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ: هُوَ نَقْضُهُمُ الْعَهْدَ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ الَّذِي وَصَفْنَاهُ، وَتَرْكُهُمُ الْعَمَلَ بِهِ. وَإِنَّمَا قُلْتُ: إِنَّهُ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَاتِ مَنْ قُلْتُ إِنَّهُ عَنَى بِهَا، لِأَنَّ الْآيَاتِ مِنَ ابْتِدَاءِ الْآيَاتِ الْخَمْسِ وَالسِّتِّ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِيهِمْ نَزَلَتْ إِلَى تَمَامِ قَصَصِهِمْ، وَفِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ الْخَبَرِ عَنْ خَلْقِ آدَمَ وَبَيَانِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أَوْفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة: ٤٠] وَخِطَابِهِ إِيَّاهُمْ جَلَّ ذِكْرُهُ بِالْوَفَاءِ فِي ذَلِكَ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْبَشَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ [البقرة: ٢٧] مَقْصُودٌ بِهِ كُفَّارُهُمْ وَمُنَافِقُوهُمْ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ مِنْ مُشْرِكِي عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ عَلَى ضَلَالِهِمْ. غَيْرَ أَنَّ الْخِطَابَ وَإِنْ كَانَ لِمَنْ وَصَفْتُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فَدَاخِلٌ فِي أَحْكَامِهِمْ وَفِيمَا أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْوَعِيدِ وَالذَّمِّ وَالتَّوْبِيخِ كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِهِمْ وَمِنْهَاجِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ وَأَصْنَافِ الْأُمَمِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَمَعْنَى الْآيَةِ إِذًا: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا التَّارِكِينَ طَاعَةَ اللَّهِ، الْخَارِجِينَ عَنِ اتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ النَّاكِثِينَ عُهُودَ اللَّهِ الَّتِي عَهِدَهَا إِلَيْهِمْ فِي الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا إِلَى رُسُلِهِ وَعَلَى أَلْسُنِ أَنْبِيَائِهِ بِاتِّبَاعِ أَمْرِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ وَطَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ تَبْيِينِ أَمْرِهِ لِلنَّاسِ، وَإِخْبَارِهِمْ إِيَّاهُمْ أَنَّهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ أَنَّهُ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُفْتَرَضَةٌ طَاعَتُهُ. وَتَرْكِ كِتْمَانِ ذَلِكَ لَهُمْ وَنَكْثِهِمْ ذَلِكَ، وَنَقْضُهُمْ إِيَّاهُ هُوَ مُخَالَفَتُهُمُ اللَّهَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِمْ فِيمَا وَصَفْتُ أَنَّهُ عَهِدَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ إِعْطَائِهِمْ رَبَّهُمُ الْمِيثَاقَ بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ كَمَا وَصَفَهُمْ بِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ


الصفحة التالية
Icon