وَقَدْ قَالَ قَبْلُ: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ٢٩] فَأَخْرَجَهَا عَلَى تَقْدِيرِ الْوَاحِدِ. وَإِنَّمَا أَخْرَجَ مَكْنِيَّهُنَّ مَخْرَجَ مَكْنِيِّ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ السَّمَاءَ جَمْعٌ وَاحِدُهَا سَمَاوَةٌ، فَتَقَدِيرُ وَاحِدَتِهَا وَجَمْعِهَا إِذًا تَقْدِيرُ بَقَرَةٍ وَبَقَرٌ وَنَخْلَةٌ وَنَخْلٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ وَلِذَلِكَ أُنِّثَتْ مَرَّةً، فَقِيلَ: هَذِهِ سَمَاءٌ، وَذُكِّرَتْ أُخْرَى فَقِيلَ: ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ [المزمل: ١٨] كَمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِالْجَمْعِ الَّذِي لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ غَيْرَ دُخُولِ الْهَاءِ وَخُرُوجِهَا، فَيُقَالُ: هَذَا بَقَرٌ وَهَذِهِ بَقَرٌ، وَهَذَا نَخْلٌ وَهَذِهِ نَخْلٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ أَنَّ السَّمَاءَ وَاحِدَةٌ، غَيْرَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى السَّمَوَاتِ، فَقِيلَ: ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٩] يُرَادُ بِذَلِكَ الَّتِي ذَكَرْتُ، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ السَّمَوَاتِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ مَعَهَا. قَالَ: وَإِنَّمَا تُذَكَّرُ إِذَا ذُكِّرَتْ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، فَيُقَالُ: ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ [المزمل: ١٨] كَمَا يُذَكَّرُ الْمُؤَنَّثُ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر المتقارب]
فَلَا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا | وَلَا أَرْضٌ أَبْقَلَ إِبْقَالُهَا |
[البحر المتقارب]
فَإِمَّا تَرَيْ لِمَّتِي بُدِّلَتْ | فَإِنَّ الْحَوَادِثَ أَزْرَى بِهَا |