وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَوْجِيهِ خَبَرِ الْمَلَائِكَةِ عَنْ إِفْسَادِ ذُرِّيَّةِ الْخَلِيفَةِ وَسَفْكِهَا الدِّمَاءَ عَلَى الْعُمُومِ، مَا حَدَّثَنَا بِهِ، أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، قَوْلُهُ: " ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: ٣٠]، قَالَ: يَعْنُونَ النَّاسَ "
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ، بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلُهُ: " ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠]، فَاسْتَخَارَ الْمَلَائِكَةَ فِي خَلْقِ آدَمَ، فَقَالُوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: ٣٠]، وَقَدْ عَلِمَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ أَكْرَهُ إِلَى اللَّهِ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠]، فَكَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ الْخَلِيفَةِ أَنْبِيَاءُ وَرُسُلٌ، وَقَوْمٌ صَالِحُونَ، وَسَاكِنُو الْجَنَّةِ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَخَذَ فِي خَلْقِ آدَمَ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: مَا اللَّهُ خَالِقٌ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنَّا، وَلَا أَعْلَمَ -[٤٩٢]- مِنَّا. فَابْتُلُوا بِخَلْقِ آدَمَ، وَكُلُّ خَلْقٍ مُبْتَلًى، كَمَا ابْتُلِيَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ بِالطَّاعَةِ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] " وَهَذَا الْخَبَرُ عَنْ قَتَادَةَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَتَادَةَ كَانَ يَرَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ مَا قَالَتْ مِنْ قَوْلِهَا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: ٣٠] عَلَى غَيْرِ يَقِينِ عِلْمٍ تَقَدَّمَ مِنْهَا بِأَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ؛ وَلَكِنْ عَلَى الرَّأْيِ مِنْهَا وَالظَّنِّ، وَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهَا وَرَدَّ عَلَيْهَا مَا رَأَتْ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠] مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّةِ ذَلِكَ الْخَلِيفَةِ الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ وَالْمُجْتَهِدُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ خِلَافُ هَذَا التَّأْوِيلِ


الصفحة التالية
Icon