قِيلَهَا لَهُ: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة: ٣٠] تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْهَا اسْتِخْبَارٌ لِرَبِّهَا؛ بِمَعْنَى: أَعْلِمْنَا يَا رَبَّنَا، أَجَاعِلٌ أَنْتَ فِي الْأَرْضِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ وَتَارِكٌ أَنْ تَجْعَلَ خُلَفَاءَكَ مِنَّا، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، وَنُقَدِّسُ لَكَ؟ لَا إِنْكَارَ مِنْهَا لِمَا أَعْلَمَهَا رَبُّهَا أَنَّهُ فَاعِلٌ، وَإِنْ كَانَتْ قَدِ اسْتَعْظَمَتْ لَمَّا أُخْبِرَتْ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ خَلْقٌ يَعْصِيهِ. وَأَمَّا دَعْوَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ كَانَ أَذِنَ لَهَا بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَتْهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ، فَدَعْوَى لَا دَلَالَةَ عَلَيْهَا فِي ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ وَلَا خَبَرَ بِهَا مِنَ الْحُجَّةِ يَقْطَعُ الْعُذْرَ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ فِي تَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ بِمَا لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ. وَأَمَّا وَصْفُ الْمَلَائِكَةِ مَنْ وَصَفَتْ فِي اسْتِخْبَارِهَا رَبَّهَا عَنْهُ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، فَغَيْرُ مُسْتَحِيلٍ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي رَوَاهُ السُّدِّيُّ وَوَافَقَهُمَا عَلَيْهِ قَتَادَةُ مِنَ التَّأْوِيلِ. وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً تَكُونُ لَهُ ذُرِّيَّةً يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالُوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ [البقرة: ٣٠] عَلَى مَا وَصَفْتَ مِنَ الِاسْتِخْبَارِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ اسْتِخْبَارِهَا وَالْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهَا قَدْ أُخْبِرَتْ أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ؟ قِيلَ: وَجْهُ اسْتِخْبَارِهَا حِينَئِذٍ يَكُونُ عَنْ حَالِهِمْ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ، وَهَلْ


الصفحة التالية
Icon