فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِالْآيَةِ هُوَ مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ الْمَلَائِكَةَ بِأَنَّ ذُرِّيَّةَ خَلِيفَتِهِ فِي الْأَرْضِ يُفْسِدُونَ فِيهَا وَيَسْفِكُونَ فِيهَا الدِّمَاءَ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ [البقرة: ٣٠] فَأَيْنَ ذِكْرُ إِخْبَارِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِي كِتَابِهِ بِذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: اكْتَفَى بِدَلَالَةِ مَا قَدْ ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ عَنْهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
فَلَا تَدْفِنُونِي إِنَّ دَفْنِيَ مُحَرَّمٌ | عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ خَامِرِي أُمَّ عَامِرِ |
فَحَذَفَ قَوْلَهُ دَعُونِي لِلَّتِي يُقَالُ لَهَا عِنْدَ صَيْدِهَا خَامِرِي أُمَّ عَامِرِ، إِذْ كَانَ فِيمَا أَظْهَرَ مِنْ كَلَامِهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَعْنَى مُرَادِهِ. فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:
﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ [البقرة: ٣٠] لَمَّا كَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا تَرَكَ ذِكْرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ:
﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠] مِنَ الْخَبَرِ عَمَّا يَكُونُ مِنْ إِفْسَادِ ذُرِّيَّتِهِ فِي الْأَرْضِ اكْتَفَى بِدَلَالَتِهِ وَحُذِفَ، فَتَرَكَ ذِكْرَهُ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ وَأَشْعَارِ الْعَرَبِ وَكَلَامِهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى. فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ:
﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: ٣٠]