الْعَرَبُ فَيَقُولُونَ: مَا الْجِنُّ إِلَّا كُلُّ مَنِ اجْتَنَّ فَلَمْ يُرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] أَيْ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ اجْتَنُّوا فَلَمْ يُرَوْا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ [الصافات: ١٥٨] وَذَلِكَ لِقَوْلِ قُرَيْشٍ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ. فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنْ تَكُنِ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتِي فَإِبْلِيسُ مِنْهَا، وَقَدْ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَ إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتِهِ نَسَبًا. قَالَ: وَقَدْ قَالَ الْأَعْشَى أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْبَكْرِيُّ، وَهُوَ يَذْكُرُ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ وَمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ:
[البحر الطويل]

وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ خَالِدًا أَوْ مُعَمِّرًا لَكَانَ سُلَيْمَانَ الْبَرِيَّ مِنَ الدَّهْرِ
بَرَاهُ إِلَهِي وَاصْطَفَاهُ عِبَادَهُ وَمَلَّكَهُ مَا بَيْنَ ثُرْيَا إِلَى مِصْرِ
وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ الْمَلَائِكِ تِسْعَةً قِيَامًا لَدَيْهِ يَعْمَلُونَ بِلَا أَجْرِ
قَالَ: فَأَبَتِ الْعَرَبُ فِي لُغَتِهَا إِلَّا أَنَّ الْجِنَّ كُلُّ مَا اجْتَنَّ. يَقُولُ: مَا سَمَّى اللَّهُ الْجِنَّ إِلَّا أَنَّهُمُ اجْتَنُّوا فَلَمْ يُرَوْا، وَمَا سَمَّى بَنِي آدَمَ الْإِنْسَ إِلَّا أَنَّهُمْ ظَهَرُوا فَلَمْ يَجْتَنُّوا، فَمَا ظَهَرَ فَهُوَ إِنْسٌ، وَمَا اجْتَنَّ فَلَمْ يُرَ فَهُوَ جِنٌّ "
وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «مَا كَانَ إِبْلِيسُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ طَرْفَةَ عَيْنٍ قَطُّ، وَإِنَّهُ لَأَصْلُ -[٥٤٠]- الْجِنِّ كَمَا أَنَّ آدَمَ أَصْلُ الْإِنْسِ»


الصفحة التالية
Icon