الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجَكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٣٥] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ إِبْلِيسَ أُخْرِجَ مِنَ الْجَنَّةِ بَعْدَ الِاسْتِكْبَارِ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ، وَأَسْكَنَهَا آدَمَ قَبْلَ أَنْ يُهْبِطَ إِبْلِيسَ إِلَى الْأَرْضِ؛ أَلَا تَسْمَعُونَ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَقُولُ: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ [البقرة: ٣٦] فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ إِبْلِيسَ إِنَّمَا أَزَلَّهُمَا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، بَعْدَ أَنْ لُعِنَ وَأَظْهَرَ التَّكَبُّرَ؛ لِأَنَّ سُجُودَ الْمَلَائِكَةِ لِآدَمَ كَانَ بَعْدَ أَنْ نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، وَحِينَئِذٍ كَانَ امْتِنَاعُ إِبْلِيسَ مِنَ السُّجُودِ لَهُ، وَعِنْدَ الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ حَلَّتْ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ
كَمَا حَدَّثَنِي بِهِ، مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ أَقْسَمَ بِعِزَّةِ اللَّهِ لَيُغْوِيَنَّ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ وَزَوْجَهُ، إِلَّا عِبَادَهُ الْمُخْلَصِينَ مِنْهُمْ، بَعْدَ أَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَبَعْدَ أَنْ أُخْرِجَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَقَبْلَ أَنْ يُهْبَطَ إِلَى الْأَرْضِ، وَعَلَّمَ اللَّهُ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا»
وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ -[٥٤٨]- إِبْلِيسَ وَمُعَاتَبَتِهِ، وَأَبَى إِلَّا الْمَعْصِيَةَ، وَأَوْقَعَ عَلَيْهِ اللَّعْنَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ؛ أَقْبَلَ عَلَى آدَمَ وَقَدْ عَلَّمَهُ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا، فَقَالَ: ﴿يَا آدَمُ أنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾ [البقرة: ٣٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢] " ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَالِ الَّتِي خُلِقَتْ لِآدَمَ زَوْجَتُهُ وَالْوَقْتِ الَّذِي جُعِلَتْ لَهُ سَكَنًا


الصفحة التالية
Icon