تَقُومُ يَا هَذَا، وَهُوَ يُرِيدُ: سَرَّنِي قِيَامُكَ. فَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ خَطَأً عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ قَوْلُ الْقَائِلِ: لَا تَقُمْ، إِذَا كَانَ الْمَعْنَى: لَا يَكُنْ مِنْكَ قِيَامٌ. وَفِي إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْقَائِلِ: لَا تَقُمْ، وَفَسَادِ قَوْلِ الْقَائِلِ: سَرَّنِي تَقُومُ بِمَعْنَى سَرَّنِي قِيَامُكَ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى فَسَادِ دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ مَعَ لَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ [البقرة: ٣٥] ضَمِيرَ أَنْ، وَصِحَّةُ الْقَوْلِ الْآخَرِ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٣٥] وَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ فَتَكُونَا فِي نِيَّةِ الْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْرَبَا﴾ [البقرة: ٣٥] فَيَكُونَ تَأْوِيلُهُ حِينَئِذٍ: وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ، وَلَا تَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ. فَيَكُونَ فَتَكُونَا حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى الْجَزْمِ مَجْزُومٌ بِمَا جُزِمَ بِهِ ﴿وَلَا تَقْرَبَا﴾ [البقرة: ٣٥]، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: لَا تَكَلَّمْ عَمْرًا وَلَا تُؤْذِهِ، وَكَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل]

فَقُلْتُ لَهُ صَوِّبْ وَلَا تَجْهَدَنَّهْ فَيُذِرْكَ مِنْ أُخْرَى الْقَطَاةِ فَتَزْلَقِ
فَجَزَمَ فَيُذِرْكَ بِمَا جَزَمَ بِهِ لَا تَجْهَدَنَّهْ، كَأَنَّهُ كَرَّرَ النَّهْيَ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ: ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٣٥] بِمَعْنَى جَوَابِ النَّهْيِ، فَيَكُونَ تَأْوِيلُهُ حِينَئِذٍ: لَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ، فَإِنَّكُمَا إِنْ قَرُبْتُمَاهَا كُنْتُمَا مِنَ الظَّالِمِينَ؛ كَمَا تَقُولُ: لَا تَشْتُمُ عَمْرًا فَيَشْتُمْكَ مُجَازَاةً. فَيَكُونَ فَتَكُونَا حِينَئِذٍ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ إِذْ كَانَ حَرْفَ عَطْفٍ عَلَى غَيْرِ شَكْلِهِ لَمَّا كَانَ فِي ﴿وَلَا تَقْرَبَا﴾ [البقرة: ٣٥] حَرْفٌ عَامِلٌ فِيهِ، وَلَا يَصْلُحُ إِعَادَتُهُ فِي فَتَكُونَا فَنُصِبَ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ


الصفحة التالية
Icon