وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: " وَأَهْلُ التَّوْرَاةِ يَدْرُسُونَ: إِنَّمَا كَلَّمَ آدَمُ الْحَيَّةَ، وَلَمْ يُفَسِّرُوا كَتَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ "
وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: " نَهَى اللَّهُ آدَمَ وَحَوَّاءَ أَنْ يَأْكُلَا مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْجَنَّةِ وَيَأْكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شَاءَا. فَجَاءَ الشَّيْطَانُ فَدَخَلَ فِي جَوْفِ الْحَيَّةِ، فَكَلَّمَ حَوَّاءَ، وَوَسْوَسَ الشَّيْطَانُ إِلَى آدَمَ، فَقَالَ: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٢١] قَالَ: فَعَضَّتْ حَوَّاءُ الشَّجَرَةَ، فَدَمِيَتِ الشَّجَرَةُ وَسَقَطَ عَنْهُمَا رِيَاشُهُمَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ٢٢] لِمَ أَكَلْتَهَا وَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْهَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ أَطْعَمَتْنِي حَوَّاءُ. قَالَ لِحَوَّاءَ: لِمَ أَطْعَمْتِهِ؟ قَالَتْ: أَمَرَتْنِي الْحَيَّةُ. قَالَ لِلْحَيَّةِ: لِمَ أَمَرْتِهَا؟ قَالَتْ: أَمَرَنِي إِبْلِيسُ. قَالَ: مَلْعُونٌ مَدْحُورٌ. أَمَّا أَنْتِ يَا حَوَّاءُ فَكَمَا آدَمَيْتِ الشَّجَرَةَ فَتَدْمِينَ فِي كُلِّ هِلَالٍ. وَأَمَّا أَنْتِ يَا حَيَّةُ فَأَقْطَعُ قَوَائِمَكِ فَتَمْشِينَ جَرْيًا عَلَى وَجْهِكِ وَسَيَشْدَخُ رَأْسَكِ مَنْ -[٥٦٨]- لَقِيَكِ بِالْحَجَرِ؛ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ رَوَيْتُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَمَّنْ رُوِّينَاهَا عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ فِي صِفَةِ اسْتِزْلَالِ إِبْلِيسَ عَدُوِّ اللَّهِ آدَمَ وَزَوْجَتَهُ حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ. وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالْحَقِّ عِنْدَنَا، مَا كَانَ لِكِتَابِ اللَّهِ مُوَافِقًا، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ إِبْلِيسَ أَنَّهُ وَسْوَسَ لِآدَمَ وَزَوْجَتَهُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا، وَأَنَّهُ قَالَ لَهُمَا: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠] وَأَنَّهُ قَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ مُدَلِّيًا لَهُمَا بِغُرُورٍ. فَفِي إِخْبَارِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ عَدُوِّ اللَّهِ أَنَّهُ قَاسَمَ آدَمَ وَزَوْجَتَهُ بِقِيلِهِ لَهُمَا: ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٢١] الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَاشَرَ خِطَابَهُمَا بِنَفْسِهِ، إِمَّا ظَاهِرًا لِأَعْيُنِهِمَا، وَإِمَّا مُسْتَجِنًّا فِي غَيْرِهِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ: قَاسَمَ فُلَانٌ فُلَانًا فِي كَذَا وَكَذَا، إِذَا سَبَّبَ لَهُ سَبَبًا وَصَلَ بِهِ إِلَيْهِ دُونَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ. وَالْحَلِفُ لَا يَكُونُ بِتَسَبُّبِ السَّبَبِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ إِلَى آدَمَ عَلَى نَحْوِ الَّذِي مِنْهُ إِلَى ذُرِّيَّتِهِ مِنْ تَزْيِينِ أَكْلِ مَا نَهَى اللَّهُ آدَمَ عَنْ أَكْلِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةِ خِطَابِهِ إِيَّاهُ بِمَا اسْتَزَلَّهُ بِهِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْحِيَلِ، لَمَّا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٢١] كَمَا غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ الْيَوْمَ قَائِلٌ مِمَّنْ أَتَى مَعْصِيَةً: قَاسَمَنِي إِبْلِيسُ أَنَّهُ لِي نَاصِحٌ فِيمَا زَيَّنَ لِي مِنَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي أَتَيْتُهَا، فَكَذَلِكَ الَّذِي كَانَ مِنْ آدَمَ وَزَوْجَتِهِ لَوْ كَانَ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يَكُونُ فِيمَا بَيْنَ إِبْلِيسَ الْيَوْمَ وَذُرِّيَّةِ آدَمَ لَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٢١] وَلَكِنَّ -[٥٦٩]- ذَلِكَ كَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ. فَأَمَّا سَبَبُ وُصُولِهِ إِلَى الْجَنَّةِ حَتَّى كَلَّمَ آدَمَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْهَا وَطَرَدَهُ عَنْهَا، فَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فِي ذَلِكَ مَعْنَى يَجُوزُ لِذِي فَهْمٍ مُدَافَعَتُهُ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا لَا يَدْفَعُهُ عَقْلٌ وَلَا خَبَرٌ يَلْزَمُ تَصْدِيقُهُ مِنْ حُجَّةٍ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُمْكِنَةِ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إِلَى خِطَابِهِمَا عَلَى مَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ وَصَلَ إِلَى ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قَالَهُ الْمُتَأَوِّلُونَ؛ بَلْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَذَلِكَ لِتَتَابُعِ أَقْوَالِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى تَصْحِيحِ ذَلِكَ


الصفحة التالية
Icon