عَلَى رَسُولِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُرْآنِ الْمُصَدِّقِ كِتَابَكُمْ، وَالَّذِي عِنْدَكُمْ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ الْمَعْهُودِ إِلَيْكُمْ فِيهِمَا أَنَّهُ رَسُولِي وَنَبِيِّي الْمَبْعُوثُ بِالْحَقِّ، وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ كَذَّبَ بِهِ وَجَحَدَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِي وَعِنْدَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِكُمْ. وَكُفْرُهُمْ بِهِ: جُحُودُهُمْ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالْهَاءُ الَّتِي فِي بِهِ مِنْ ذِكْرِ مَا الَّتِي مَعَ قَوْلِهِ: ﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ﴾ [البقرة: ٤١]
كَمَا حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: " فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ [البقرة: ٤١] بِالْقُرْآنِ "
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: " ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ [البقرة: ٤١] يَقُولُ: لَا تَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ [البقرة: ٤١] يَعْنِي بِكِتَابِكُمْ، وَيَتَأَوَّلُ أَنَّ فِيَ تَكْذِيبِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِكِتَابِهِمْ؛ لِأَنَّ فِي كِتَابِهِمْ الْأَمْرَ بِاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مِنْ ظَاهِرِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ التِّلَاوَةُ بَعِيدَانِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي أَوَّلِهَا بِالْإِيمَانِ بِمَا أَنْزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ﴾ [البقرة: ٤١] وَمَعْقُولٌ أَنَّ الَّذِيَ أَنْزَلَهُ اللَّهُ فِي -[٦٠٣]- عَصْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْقُرْآنُ لَا مُحَمَّدٌ، لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ رَسُولٌ مُرْسَلٌ لَا تَنْزِيلٌ مُنَزَّلٌ، وَالْمُنَزَّلُ هُوَ الْكِتَابُ. ثُمَّ نَهَاهُمْ أَنْ يَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ يَكْفُرُ بِالَّذِي أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. فَذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ الْمَفْهُومُ، وَلَمْ يَجْرِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرٌ ظَاهِرٌ فَيُعَادُ عَلَيْهِ بِذِكْرِهِ مُكَنِّيًا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ [البقرة: ٤١] وَإِنْ كَانَ غَيْرُ مُحَالٍ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُذْكَرَ مَكْنِيُّ اسْمٍ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ ظَاهِرٌ فِي الْكَلَامِ. وَكَذَلِكَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَائِدَ مِنَ الذِّكْرِ فِي بِهِ عَلَى مَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿لِمَا مَعَكُمْ﴾ [البقرة: ٤١] لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا ظَاهِرَ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ بَعِيدٌ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التِّلَاوَةِ وَالتَّنْزِيلِ، لِمَا وَصَفْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِيمَانِ بِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ هُوَ الْقُرْآنُ، فَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنِ الْكُفْرِ بِهِ فِي آخِرِهَا هُوَ الْقُرْآنُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِالْإِيمَانِ بِهِ غَيْرَ الْمَنْهِيِّ عَنِ الْكُفْرِ بِهِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ وَآيَةٍ وَاحِدَةٍ، فَذَلِكَ غَيْرُ الْأَشْهَرِ الْأَظْهَرِ فِي الْكَلَامِ، هَذَا مَعَ بُعْدِ مَعْنَاهُ فِي التَّأْوِيلِ


الصفحة التالية
Icon