وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: " هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ كَانَ إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ يَسْأَلُهُمْ مَا لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ وَلَا رِشْوَةٌ وَلَا شَيْءٌ، أَمَرُوهُ بِالْحَقِّ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ٤٤] "
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ الْحَرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: " فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ [البقرة: ٤٤] قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَا يَفْقَهُ الرَّجُلُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى يَمْقُتَ النَّاسَ فِي ذَاتِ اللَّهِ ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى نَفْسِهِ فَيَكُونَ لَهَا أَشَدَّ مَقْتًا " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَجَمِيعُ الَّذِي قَالَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ ذِكْرِنَا قَوْلَهُ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْبِرِّ الَّذِي كَانَ الْقَوْمُ يَأْمُرُونَ بِهِ غَيْرَهُمُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ فَهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِمَا لِلَّهِ فِيهِ رِضًا مِنَ الْقَوْلِ أَوِ الْعَمَلِ، وَيُخَالِفُونَ مَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ بِأَفْعَالِهِمْ -[٦١٦]- فَالتَّأْوِيلُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ ظَاهِرُ التِّلَاوَةِ إِذًا: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَتَتْرُكُونَ أَنْفُسَكُمْ تَعْصِيهِ، فَهَلَّا تَأْمُرُونَهَا بِمَا تَأْمُرُونَ بِهِ النَّاسَ مِنْ طَاعَةِ رَبِّكُمْ. مُعَيِّرُهُمْ بِذَلِكَ وَمُقَبِّحًا إِلَيْهِمْ مَا أَتَوْا بِهِ. وَمَعْنَى نِسْيَانِهِمْ أَنْفُسَهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَظِيرُ النِّسْيَانِ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] بِمَعْنَى: تَرَكُوا طَاعَةَ اللَّهِ فَتَرَكَهُمُ اللَّهُ مِنْ ثَوَابِهِ