وَحَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: " لَمَّا أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِرْعَوْنُ الْأَرْضَ إِلَى الْبَحْرِ قَالَ لَهُمْ فِرْعَوْنُ: قُولُوا لَهُمْ يَدْخُلُونَ الْبَحْرَ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ. فَلَمَّا رَآهُمْ أَصْحَابُ مُوسَى، قَالُوا: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٦٢] فَقَالَ مُوسَى لِلْبَحْرِ: أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: وَتَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ عِبَادٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ بِهِمْ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَتَعْلَمُ أَنَّ هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَانْفَرَقَ لِي طَرِيقًا وَلِمَنْ مَعِي. قَالَ: يَا مُوسَى، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مَمْلُوكٌ لَيْسَ لِي أَمْرٌ إِلَّا أَنْ يَأْمُرَنِيَ اللَّهُ تَعَالَى. فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْبَحْرِ: إِذَا ضَرَبَكَ مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَرَقَ، وَأَوْحَى إِلَى مُوسَى أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] وَقَرَأَ قَوْلَهُ: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾ [الدخان: ٢٤] سَهْلًا لَيْسَ فِيهِ تَعَدٍّ. فَانْفَرَقَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً، فَسَلَكَ كُلُّ سِبْطٍ فِي طَرِيقٍ. قَالَ: فَقَالُوا لِفِرْعَوْنَ: إِنَّهُمْ قَدْ دَخَلُوا الْبَحْرَ. قَالَ: ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَجِبْرِيلُ فِي آخِرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ لَهُمْ: لِيَلْحَقْ آخِرُكُمْ أَوَّلَكُمْ. وَفِي أَوَّلِ آلِ فِرْعَوْنَ، يَقُولُ لَهُمْ: رُوَيْدًا يَلْحَقْ آخِرُكُمْ أَوَّلَكُمْ. فَجَعَلَ كُلُّ سِبْطٍ فِي الْبَحْرِ يَقُولُونَ لِلسِّبْطِ الَّذِينَ دَخَلُوا قَبْلَهُمْ: قَدْ هَلَكُوا. فَلَمَّا دَخَلَ ذَلِكَ قُلُوبَهُمْ، أَوْحَى اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ إِلَى الْبَحْرِ، فَجَعَلَ لَهُمْ قَنَاطِرَ يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ، حَتَّى إِذَا خَرَجَ آخِرُ هَؤُلَاءِ وَدَخَلَ آخِرُ هَؤُلَاءِ أَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَأُطْبِقَ عَلَى هَؤُلَاءِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٠] أَيْ تَنْظُرُونَ إِلَى فَرْقِ اللَّهِ لَكُمُ الْبَحْرَ وَإِهْلَاكِهِ آلَ فِرْعَوْنَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي نَجَّاكُمْ فِيهِ، وَإِلَى عَظِيمِ سُلْطَانِهِ فِي الَّذِي أَرَاكُمْ مِنْ طَاعَةِ الْبَحْرِ إِيَّاهُ مِنْ مَصِيرِ رُكَامًا فِلْقًا كَهَيْئَةِ الْأَطْوَادِ الشَّامِخَةِ غَيْرَ زَائِلٍ عَنْ حَدِّهِ، انْقِيَادًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَإِذْعَانًا لِطَاعَتِهِ، وَهُوَ سَائِلٌ ذَائِبٌ قَبْلَ ذَلِكَ.