وَهَذَا قَسَمٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَقْسَمَ أَنْ مَنِ اتَّبَعَ مِنْ بَنِي آدَمَ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ وَأَطَاعَهُ وَصَدَّقَ ظَنَّهُ، عَلَيْهِ أَنْ يَمْلَأَ مِنْ جَمِيعِهِمْ، يَعْنِي مِنْ كَفَرَةِ بَنِي آدَمَ تُبَّاعِ إِبْلِيسَ وَمِنْ إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتِهِ جَهَنَّمَ، فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً كَذَّبَ ظَنَّ عَدُوِّ اللَّهِ فِي نَفْسِهِ، وَخَيَّبَ فِيهَا أَمَلَهُ وَأُمْنِيَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ أَطْمَعَ فِيهَا عَدُوَّهُ، وَاسْتَغَشَّهُ وَلَمْ يَسْتَنْصِحْهُ. وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا نَبَّهَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ عِبَادَهُ عَلَى قِدَمِ عَدَاوَةِ عَدُوِّهِ وَعَدُوِّهِمْ إِبْلِيسَ لَهُمْ، وَسَالِفِ مَا سَلَفَ مِنْ حَسَدِهِ لِأَبِيهِمْ، وَبَغْيِهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَعَرَّفَهُمْ مَوَاقِعَ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ قَدِيمًا فِي أَنْفُسِهِمْ وَوَالِدِهِمْ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ، وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ، فَيَنْزَجِرُوا عَنْ طَاعَةِ عَدُوِّهِ وَعَدُوِّهِمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَيُنِيبُوا إِلَيْهَا
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثِ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٩] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ اللَّهُ لِآدَمَ: ﴿يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ [الأعراف: ١٩] : فَأَسْكَنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ آدَمَ وَزَوْجَتَهُ الْجَنَّةَ بَعْدَ أَنْ أُهْبِطَ مِنْهَا إِبْلِيسُ وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا، وَأَبَاحَ لَهُمَا أَنْ يَأْكُلَا مِنْ ثِمَارِهَا مِنْ أَيِّ مَكَانٍ شَاءَا مِنْهَا، وَنَهَاهُمَا أَنْ يَقْرَبَا ثَمَرَ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، وَمَا نَرَى مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ صَوَابًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ -[١٠٦]-. ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٣٥] يَقُولُ: فَتَكُونَا مِمَّنْ خَالَفَ أَمْرَ رَبِّهِ، وَفَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ