الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْجَهَلَةِ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَعَرَّوْنَ لِلطَّوَافِ اتِّبَاعًا مِنْهُمْ أَمْرَ الشَّيْطَانِ، وَتَرْكًا مِنْهُمْ طَاعَةَ اللَّهِ، فَعَرَّفَهُمُ انْخِدَاعَهُمْ بِغُرُورِهِ لَهُمْ حَتَّى تَمَكَّنَ مِنْهُمْ فَسَلَبَهُمْ مِنْ سِتْرِ اللَّهِ الَّذِي أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى أَبْدَى سَوْآتِهِمْ وَأَظْهَرَهَا مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، مَعَ تَفَضُّلِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِتَمْكِينِهِمْ مِمَّا يَسْتُرُونَهَا بِهِ، وَأَنَّهُمْ قَدْ سَارَ بِهِمْ سِيرَتَهُ فِي أَبَوَيْهِمْ آدَمَ وَحَوَّاءَ اللَّذَيْنِ دَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ حَتَّى سَلَبَهُمَا سِتْرَ اللَّهِ الَّذِي كَانَ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمَا حَتَّى أَبْدَى لَهُمَا سَوْآتِهِمَا فَعَرَّاهُمَا مِنْهُ: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا﴾ [الأعراف: ٢٦] : يَعْنِي بِإِنْزَالِهِ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ: خَلْقَهُ لَهُمْ، وَرِزْقَهُ إِيَّاهُمْ. وَاللِّبَاسُ: مَا يَلْبَسُونَ مِنَ الثِّيَابِ. ﴿يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾ يَقُولُ: يَسْتُرُ عَوْرَاتِكُمْ عَنْ أَعْيُنِكُمْ. وَكَنَّى بِالسَّوْآتِ عَنِ الْعَوْرَاتِ، وَاحِدَتُهَا سَوْأَةٌ، وَهِيَ فَعْلَةٌ مِنَ السُّوءِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ سَوْأَةً لِأَنَّهُ يَسُوءُ صَاحِبَهَا انْكِشَافُهَا مِنْ جَسَدِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر المديد]