مَسْجِدٍ، وَأَنِ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَأَنْ أَقِرُّوا بِأَنْ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ، فَتَرَكَ ذِكْرَ (وَأَنْ أَقِرُّوا بِأَنْ) كَمَا تَرَكَ ذِكْرَ (أَنْ) مَعَ (أَقِيمُوا)، إِذْ كَانَ فِيمَا ذُكِرَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا حُذِفَ مِنْهُ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُؤْمَرَ بِدُعَاءِ مَنْ كَانَ جَاحِدًا النُّشُورَ بَعْدَ الْمَمَاتِ إِلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا يُنْشَرُ مَنْ نُشِرَ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالدُّعَاءِ إِلَى ذَلِكَ مَنْ كَانَ بِالْبَعْثِ مُصَدِّقًا، فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ جَاحِدًا فَإِنَّمَا يُدْعَى إِلَى الْإِقْرَارِ بِهِ ثُمَّ يُعْرَفُ كَيْفَ شَرَائِطُ الْبَعْثِ. عَلَى أَنَّ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الَّذِي حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثني الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ عُرَاةً غُرْلًا، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْعِظَةٍ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً غُرْلًا ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤]-[١٤٨]- مَا يُبَيِّنُ صِحَّةَ الْقَوْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ الْخَلْقَ يَعُودُونَ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَلْقًا أَحْيَاءً كَمَا بَدَأَهُمْ فِي الدُّنْيَا خَلْقًا أَحْيَاءً، يُقَالُ مِنْهُ: بَدَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَبْدَؤُهُمْ وَأَبْدَأَهُمْ يُبْدِئُهُمْ إِبْدَاءً بِمَعْنَى خَلَقَهُمْ، لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ. ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا سَبَقَ مِنْ عِلْمِهِ فِي خَلْقِهِ وَجَرَى بِهِ فِيهِمْ قَضَاؤُهُ، فَقَالَ: هَدَى اللَّهُ مِنْهُمْ فَرِيقًا فَوَفَّقَهُمْ لِصَالِحِ الْأَعْمَالِ فَهُمْ مُهْتَدُونَ، وَحَقَّ عَلَى فَرِيقٍ مِنْهُمُ الضَّلَالَةُ عَنِ الْهُدَى وَالرَّشَادِ، بِاتِّخَاذِهِمُ الشَّيْطَانَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَإِذَا كَانَ التَّأْوِيلُ هَذَا، كَانَ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ مَنْصُوبًا بِإِعْمَالِ هَدَى فِيهِ، وَالْفَرِيقُ الثَّانِي بِوُقُوعِ قَوْلِهِ حَقَّ عَلَى عَائِدٍ ذَكَرَهُ فِي عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الإنسان: ٣١]. وَمَنْ وَجَّهَ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ كَمَا بَدَأَكُمْ فِي الدُّنْيَا صِنْفَيْنِ: كَافِرًا، وَمُؤْمِنًا، كَذَلِكَ تَعُودُونَ فِي الْآخِرَةِ فَرِيقَيْنِ: ﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ﴾ [الأعراف: ٣٠] نَصَبَ (فَرِيقًا) الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ: (تَعُودُونَ)، وَجَعَلَ الثَّانِيَ عَطْفًا عَلَيْهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ عِنْدَنَا مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ


الصفحة التالية
Icon