قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «لَمَّا سَالَ النِّيلُ دَمًا، فَكَانَ الْإِسْرَائِيلِيُّ يَسْتَقِي مَاءً طَيِّبًا، وَيَسْتَقِي الْفِرْعَوْنِيُّ دَمًا وَيَشْتَرِكَانِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، فَيَكُونُ مَا يَلِي الْإِسْرَائِيلِيَّ مَاءً طَيِّبًا وَمَا يَلِي الْفِرْعَوْنِيَّ دَمًا»
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: " أَنَّ مُوسَى، لَمَّا عَالَجَ فِرْعَوْنَ بِالْآيَاتِ الْأَرْبَعِ: الْعَصَا، وَالْيَدِ، وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَالسِّنِينَ، قَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ عَبْدَكَ هَذَا قَدْ عَلَا فِي الْأَرْضِ، وَعَتَا فِي الْأَرْضِ، وَبَغَى عَلَيَّ، وَعَلَا عَلَيْكَ، وَعَالَى بِقَوْمِهِ، رَبِّ خُذْ عَبْدَكَ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُ وَلِقَوْمِهِ نِقْمَةً، وَتَجْعَلُهَا لِقَوْمِي عِظَةً وَلِمَنْ بَعْدِي آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ، وَهُوَ الْمَاءُ، وَبُيُوتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبُيُوتُ الْقِبْطِ مُشْتَبِكَةٌ مُخْتَلِطَةٌ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، فَامْتَلَأَتْ بُيُوتُ الْقِبْطِ مَاءً، حَتَّى قَامُوا فِي الْمَاءِ إِلَى تَرَاقِيهِمْ، مَنْ حُبِسَ مِنْهُمْ غَرِقَ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَطْرَةٌ، فَجَعَلَتِ الْقِبْطُ تُنَادِي: مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ، لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ، وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: فَوَاثَقُوا مُوسَى مِيثَاقًا أَخَذَ عَلَيْهِمْ بِهِ عُهُودَهُمْ، وَكَانَ الْمَاءُ أَخَذَهُمْ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَقَامَ عَلَيْهِمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ -[٣٩٥]- إِلَى السَّبْتِ الْآخَرِ، فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ، فَرَفَعَ عَنْهُمُ الْمَاءَ، فَأَعْشَبَتْ بِلَادُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَأَقَامُوا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ، ثُمَّ جَحَدُوا وَقَالُوا: مَا كَانَ هَذَا الْمَاءُ إِلَّا نِعْمَةً عَلَيْنَا وَخَصْبًا لِبِلَادِنَا، مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَالَ: وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الطُّوفَانِ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَوْتًا كَانَ أَوْ مَاءً. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَا يَقْرَأُ ابْنُ عُمَرَ سُورَةَ الْعَنْكَبُوتِ حِينَ ذَكَرَ اللَّهُ قَوْمَ نُوحٍ فَقَالَ: ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ١٤] أَرَأَيْتَ لَوَ مَاتُوا إِلَى مَنْ جَاءِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْآيَاتِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الطُّوفَانِ؟ قَالَ: فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ إِنَّ عِبَادَكَ قَدْ نَقَضُوا عَهْدَكَ، وَأَخْلَفُوا وَعَدِي، رَبِّ خُذْهُمْ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُمْ نِقْمَةً، وَلِقَوْمِي عِظَةً، وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ فَلَمْ يَدَعْ لَهُمْ وَرَقَةً وَلَا شَجَرَةً وَلَا زَهْرَةً وَلَا ثَمَرَةً إِلَّا أَكَلَهَا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ جَنًى. حَتَّى إِذَا أَفَنْى الْخُضْرَ كُلَّهَا أَكَلَ الْخَشَبَ، حَتَّى أَكَلَ الْأَبْوَابَ، وَسُقُوفَ الْبُيُوتِ وَابْتُلِيَ الْجَرَادُ بِالْجُوعِ، فَجَعَلَ لَا يَشْبَعُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بُيُوتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَعَجُّوا وَصَاحُوا إِلَى مُوسَى، فَقَالُوا: يَا مُوسَى هَذِهِ الْمَرَّةَ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ، لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ، وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَعْطَوْهُ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ، فَدَعَا لَهُمْ رَبَّهُ، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْجَرَادَ بَعْدَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ. ثُمَّ أَقَامُوا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ، ثُمَّ عَادُوا لِتَكْذِيبِهِمْ وَلِإِنْكَارِهِمْ، وَلِأَعْمَالِهِمْ أَعْمَالِ السُّوءِ، قَالَ: فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ عِبَادُكَ قَدْ نَقَضُوا عَهْدِي وَأَخْلَفُوا مَوْعِدِي، فَخُذْهُمْ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُمْ نِقْمَةً، وَلِقَوْمِي عِظَةً، وَلِمَنْ بَعْدِي آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنَ يَقُولَانِ: كَانَ إِلَى -[٣٩٦]- جَنْبِهِمْ كَثِيبٌ أَعْفَرُ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى مِصْرَ تُدْعَى عَيْنَ شَمْسٍ، فَمَشَى مُوسَى إِلَى ذَلِكَ الْكَثِيبِ، فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ ضَرْبَةً صَارَ قُمَّلًا تَدُبُّ إِلَيْهِمْ، وَهِيَ دَوَابُّ سُودٌ صِغَارٌ، فَدَبَّ إِلَيْهِمُ الْقُمَّلُ، فَأَخَذَ أَشْعَارَهُمْ وَأَبْشَارَهُمْ وَأَشْفَارَ عُيُونِهِمْ وَحَوَاجِبَهُمْ، وَلَزِمَ جُلُودَهُمْ، كَأَنَّهُ الْجُدَرِيُّ عَلَيْهِمْ، فَصَرَخُوا وَصَاحُوا إِلَى مُوسَى: إِنَّا نَتُوبُ وَلَا نَعُودُ، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ، فَدَعَا رَبَّهُ فَرَفَعَ عَنْهُمُ الْقُمَّلَ بَعْدَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ، فَأَقَامُوا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ، ثُمَّ عَادُوا وَقَالُوا: مَا كُنَّا قَطُّ أَحَقَّ أَنْ نَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ سَاحِرٌ مِنَّا الْيَوْمَ، جَعَلَ الرَّمْلَ دَوَابَّ، وَعِزَّةِ فِرْعَوْنَ لَا نُصَدِّقُهُ أَبَدًا وَلَا نَتَّبِعُهُ، فَعَادُوا لِتَكْذِيبِهِمْ وَإِنْكَارِهِمْ، فَدَعَا مُوسَى عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ عِبَادَكَ نَقَضُوا عَهْدِي، وَأَخْلَفُوا وَعْدِي، فَخُذْهُمْ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُمْ -[٣٩٧]- نِقْمَةً، وَلِقَوْمِي عِظَةً، وَلِمَنْ بَعْدِي آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَضْطَجِعُ، فَتَرْكَبُهُ الضَّفَادِعُ، فَتَكُونُ عَلَيْهِ رُكَامًا، حَتَّى مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، وَيَفْتَحَ فَاهُ لَأَكْلَتِهِ، فَيَسْبِقُ الضِّفْدَعُ أَكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ، وَلَا يَعْجِنُ عَجِينًا إِلَّا تَسَدَّخَتْ فِيهِ، وَلَا يَطْبُخُ قِدْرًا إِلَّا امْتَلَأَتْ ضَفَادِعَ. فَعُذِّبُوا بِهَا أَشَدَّ الْعَذَابِ، فَشَكَوْا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالُوا: هَذِهِ الْمَرَّةُ نَتُوبُ وَلَا نَعُودُ. فَأَخَذَ عَهْدَهُمْ وَمِيثَاقَهُمْ، ثُمَّ دَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الضَّفَادِعَ بَعْدَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ سَبْعًا مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ، فَأَقَامُوا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ ثُمَّ عَادُوا لِتَكْذِيبِهِمْ وَإِنْكَارِهِمْ، وَقَالُوا: قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ سِحْرُهُ، وَيَجْعَلُ التُّرَابَ دَوَابَّ، وَيَجِيءُ بِالضَّفَادِعِ فِي غَيْرِ مَاءٍ، فَآذَوْا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ إِنَّ عِبَادَكَ نَقَضُوا عَهْدِي، وَأَخْلَفُوا وَعَدِي، فَخُذْهُمْ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُمْ عُقُوبَةً، وَلِقَوْمِي عِظَةً، وَلِمَنْ بَعْدِي آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ، فَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالدَّمِ، فَأُفْسَدَ عَلَيْهِمْ مَعَايشَهُمْ، فَكَانَ الْإِسْرَائِيلِيُّ وَالْقِبْطِيُّ يَأْتِيَانِ النِّيلَ فَيَسْتَقِيَانِ، فَيَخْرُجُ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ مَاءً، وَيَخْرُجُ لِلْقِبْطِيِّ دَمًا، وَيَقُومَانِ إِلَى الْجُبِّ فِيهِ الْمَاءُ، فَيَخْرُجُ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ فِي إِنَائِهِ مَاءً، وَلِلْقِبْطِيِّ دَمًا "


الصفحة التالية