عَنْ آيَاتِهِ وَطَبْعِهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ، فَهُمْ لَا يُفْلِحُونَ وَلَا يَنْجَحُونَ. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: صَرَفْنَاهُمْ عَنْ آيَاتِنَا أَنْ يَعْقِلُوهَا وَيَفْهَمُوهَا، فَيَعْتَبِرُوا بِهَا وَيَذَّكَرُوا فيُنِيبُوا؛ عُقُوبَةً مِنَّا لَهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِنَا، ﴿وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٦] يَقُولُ: وَكَانُوا عَنْ آيَاتِنَا وَأَدِلَّتِنَا الشَّاهِدَةِ عَلَى حَقِّيَّةِ مَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ وَنَهَيْنَاهُمْ عَنْهُ غَافِلِينَ لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا، لَاهِينَ عَنْهَا لَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا، فَحَقَّ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ قَوْلُ رَبِّنَا، فَعَطَبُوا. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿الرُّشْدِ﴾ [البقرة: ٢٥٦] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: ﴿الرُّشْدِ﴾ [البقرة: ٢٥٦] بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَسْكِينِ الشِّينِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: (الرَّشَدِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا ضُمَّتْ رَاؤُهُ وَسَكَنَتْ شِينُهُ، وَفِيهِ إِذَا فُتِحَتَا جَمِيعًا. فَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَعْنَاهُ إِذَا ضُمَّتْ رَاؤُهُ وَسَكَنَتْ شِينُهُ: الصَّلَاحُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦] بِمَعْنَى: صَلَاحًا وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهُ هُوَ وَمَعْنَاهُ إِذَا فُتِحَتْ رَاؤُهُ وَشِينُهُ: الرَّشَدُ فِي الدِّينِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا) بِمَعْنَى الِاسْتِقَامَةِ وَالصَّوَابِ فِي الدِّينِ. وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ: هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، مِثْلُ: السَّقَمُ وَالسُّقْمُ، وَالْحَزَنُ وَالْحُزْنُ، وَكَذَلِكَ الرَّشَدُ وَالرُّشْدُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَةٌ الْقِرَاءَةُ


الصفحة التالية
Icon