قَوْلُهُ: ﴿فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ﴾ [الأعراف: ٢]، فَفِي قَوْلِهِ: (لِتُنْذِرَ بِهِ) الْأَمْرُ بِالْإِنْذَارِ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِنْذَارِ الْأَمْرُ بِالْقَوْلِ لِأَنَّ الْإِنْذَارَ قَوْلٌ. فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: أَنْذِرِ الْقَوْمَ وَقُلْ لَهُمِ: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، كَانَ غَيْرَ مَدْفُوعٍ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: قَوْلُهُ: ﴿اتَّبِعُوا﴾ [البقرة: ١٦٦] خِطَابٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْنَاهُ: كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ، فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ، اتَّبِعْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ. وَيَرَى أَنَّ ذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١]، إِذِ ابْتَدَأَ خِطَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَعَلَ الْفِعْلَ لِلْجَمِيعِ، إِذْ كَانَ أَمْرُ اللَّهِ نَبِيَّهُ بِأَمْرٍ أَمْرًا مِنْهُ لِجَمِيعِ أُمَّتِهِ، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ يُفْرَدُ بِالْخِطَابِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُوَ وَجَمَاعَةُ أَتْبَاعِهِ أَوْ عَشِيرَتِهِ وَقَبِيلَتِهِ: أَمَا تَتَّقُونَ اللَّهَ؟ أَمَا تَسْتَحْيَوْنَ مِنَ اللَّهِ؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ. وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا غَيْرَ مَدْفُوعٍ، فَالْقَوْلُ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ أَوْلَى بِمَعْنَى الْكَلَامِ لِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ الَّذِي وَصَفْنَا عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: ﴿قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٣] يَقُولُ: قَلِيلًا مَا تَتَّعِظُونَ وَتَعْتَبِرُونَ، فَتُرَاجِعُونَ الْحَقَّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ [الأعراف: ٤]