قَائِلُونَ} [الأعراف: ٤]، وَهَلْ هَلَكَتْ قَرْيَةٌ إِلَّا بِمَجِيءِ بَأْسِ اللَّهِ وَحُلُولِ نِقْمَتِهِ وَسَخَطِهِ بِهَا؟ فَكَيْفَ قِيلَ (أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا) وَإِنْ كَانَ مَجِيءُ بَأْسِ اللَّهِ إِيَّاهَا بَعْدَ هَلَاكِهَا، فَمَا وَجْهُ مَجِيءِ ذَلِكَ قَوْمًا قَدْ هَلَكُوا وَبَادُوا وَلَا يَشْعُرُونَ بِمَا يَنْزِلُ بِهِمْ وَلَا بِمَسَاكِنِهِمْ؟ قِيلَ: إِنَّ لِذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ وَجْهَيْنِ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَاضِحٌ مَنْهَجُهُ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا بِخُذْلَانِنَا إِيَّاهَا عَنِ اتِّبَاعِ مَا أَنْزَلْنَا إِلَيْهَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى وَاخْتِيَارِهَا اتِّبَاعَ أَمْرِ أَوْلِيَائِهَا الْمُغْوِيهَا عَنْ طَاعَةِ رَبِّهَا، فَجَاءَهَا بَأْسُنَا إِذْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بَيَاتًا، أَوْ هُمْ قَائِلُونَ. فَيَكُونُ إِهْلَاكُ اللَّهِ إِيَّاهَا: خِذْلَانُهُ لَهَا عَنْ طَاعَتِهِ، وَيَكُونُ مَجِيءُ بَأْسِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ جَزَاءً لِمَعْصِيَتِهِمْ رَبَّهُمْ بِخِذْلَانِهِ إِيَّاهُمْ. وَالْآخَرُ مِنْهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْإِهْلَاكُ هُوَ الْبَأْسُ بِعَيْنِهِ. فَيَكُونُ فِي ذِكْرِ الْإِهْلَاكِ الدَّلَالَةُ عَلَى ذِكْرِ مَجِيءِ الْبَأْسِ، وَفِي ذِكْرِ مَجِيءِ الْبَأْسِ الدَّلَالَةُ عَلَى ذِكْرِ الْإِهْلَاكِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ سَوَاءً عِنْدَ الْعَرَبِ بُدِئَ بِالْإِهْلَاكِ ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ بِالْبَأْسِ، أَوْ بُدِئَ بِالْبَأْسِ ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ بِالْإِهْلَاكِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: زُرْتَنِي فَأَكْرَمْتَنِي، إِذْ كَانَتِ الزِّيَارَةُ هِيَ الْكَرَامَةُ، فَسَوَاءٌ عِنْدَهُمْ قَدَّمَ الزِّيَارَةَ وَأَخَّرَ الْكَرَامَةَ، أَوْ قَدَّمَ الْكَرَامَةَ وَأَخَّرَ الزِّيَارَةَ، فَقَالَ: أَكْرَمْتَنِي فَزُرْتَنِي. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ أَنَّ فِيَ الْكَلَامِ مَحْذُوفًا، لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْكَلَامُ صَحِيحًا، وَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا، فَكَانَ مَجِيءُ بَأْسِنَا إِيَّاهَا قَبْلَ إِهْلَاكِنَا.