الْآيَةِ، وَأَنَّ الْمَعْنِيَّ بِهَا آدَمُ وَحَوَّاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] أَهُوَ اسْتِنْكَافٌ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْأَسْمَاءِ شَرِيكٌ أَوْ فِي الْعِبَادَةِ؟ فَإِنْ قُلْتَ فِي الْأَسْمَاءِ دَلَّ عَلَى فَسَادِهِ قَوْلُهُ: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [الأعراف: ١٩١] وَإِنْ قُلْتَ فِي الْعِبَادَةِ، قِيلَ لَكَ: أَفَكَانَ آدَمُ أَشْرَكَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ غَيْرَهُ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْقَوْلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [المؤمنون: ٩٢] لَيْسَ بِالَّذِي ظَنَنْتَ، وَإِنَّمَا الْقَوْلُ فِيهِ: فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُ بِهِ مُشْرِكُو الْعَرَبِ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ. فَأَمَّا الْخَبَرُ عَنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ فَقَدِ انْقَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ [الأعراف: ١٩٠] ثُمَّ اسْتُؤْنِفَ قَوْلُهُ: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠]
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: " ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] يَقُولُ: هَذِهِ فَصْلٌ مِنْ آيَةِ آدَمَ خَاصَّةٌ فِي آلِهَةِ الْعَرَبِ " وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿شُرَكَاءَ﴾ [النساء: ١٢] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ: (جَعَلَا لَهُ شِرْكًا) بِكَسْرِ الشِّينِ، بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] بِضَمِّ الشِّينِ، بِمَعْنَى جَمْعِ شَرِيكٍ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَوْ صَحَّتْ بِكَسْرِ -[٦٣١]- الشِّينِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لِغَيْرِهِ فِيهِ شِرْكًا؛ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ لَمْ يَدِينَا بِأَنَّ وَلَدَهُمَا مِنْ عَطِيَّةِ إِبْلِيسَ ثُمَّ يَجْعَلَا لِلَّهِ فِيهِ شِرْكًا لِتَسْمِيَتِهِمَا إِيَّاهُ بِعَبْدِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا كَانَا يَدِينَانِ لَا شَكَّ بِأَنَّ وَلَدَهُمَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَعَطِيَّتِهِ، ثُمَّ سَمَّيَاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَجَعَلَا لِإِبْلِيسَ فِيهِ شِرْكًا بِالِاسْمِ، فَلَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (شِرْكًا) صَحِيحَةً وَجَبَ مَا قُلْنَا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ: جَعَلَا لِغَيْرِهِ فِيهِ شِرْكًا، وَفِي نُزُولِ وَحْيِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: ﴿جَعَلَا لَهُ﴾ [الأعراف: ١٩٠] مَا يُوَضِّحُ عَنْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقِرَاءَةِ: ﴿شُرَكَاءَ﴾ [النساء: ١٢] بِضَمِّ الشِّينِ عَلَى مَا بَيَّنْتُ قَبْلُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ إِنَّمَا سَمَّيَا ابْنَهُمَا عَبْدَ الْحَارِثِ، وَالْحَارِثُ وَاحِدٌ، وَقَوْلُهُ: ﴿شُرَكَاءَ﴾ [النساء: ١٢] جَمَاعَةٌ، فَكَيْفَ وَصَفَهُمَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمَا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ، وَإِنَّمَا أَشْرَكَا وَاحِدًا؟ قِيلَ: قَدْ دَلَلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ تُخْرِجُ الْخَبَرَ عَنِ الْوَاحِدِ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ إِذَا لَمْ تَقْصِدْ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ وَلَمْ تُسَمِّهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] وَإِنَّمَا كَانَ الْقَائِلُ ذَلِكَ وَاحِدًا، فَأَخْرَجَ الْخَبَرَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ؛ إِذْ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدَهُ، وَذَلِكَ مُسْتَفِيضٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهَا