سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: «يُجْعَلُ الرَّجُلُ الْعَظِيمُ الطَّوِيلُ فِي الْمِيزَانِ، ثُمَّ لَا يَقُومُ بِجَنَاحٍ ذُبَابٍ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ: هُوَ الْمِيزَانُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُوزَنُ بِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَزِنُ أَعْمَالَ خَلْقِهِ الْحَسَنَاتِ مِنْهَا وَالسَّيِّئَاتِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ [الأعراف: ٨] : مَوَازِينُ عَمَلِهِ الصَّالِحِ، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ٨] يَقُولُ: فَأُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ ظَفَرُوا بِالنَّجَاحِ وَأَدْرَكُوا الْفَوْزَ بِالطَّلَبَاتِ، وَالْخُلُودِ وَالْبَقَاءِ فِي الْجَنَّاتِ، لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «مَا وُضِعَ فِي الْمِيزَانِ شَيْءٌ أَثْقَلَ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ»، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي تُحَقِّقُ أَنَّ ذَلِكَ مِيزَانٌ يُوزَنُ بِهِ الْأَعْمَالُ عَلَى مَا وَصَفْتُ. فَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ جَاهِلٌ بِتَوْجِيهِ مَعْنَى خَبَرِ اللَّهِ عَنِ الْمِيزَانِ وَخَبَرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وِجْهَتِهِ، وَقَالَ: وَكَيْفَ تُوزَنُ الْأَعْمَالُ، وَالْأَعْمَالُ لَيْسَتْ بِأَجْسَامٍ تُوصَفُ بِالثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ، وَإِنَّمَا تُوزَنُ الْأَشْيَاءُ لِيُعْرَفَ ثِقَلُهَا مِنْ خِفَّتِهَا وَكَثْرَتُهَا مِنْ قِلَّتِهَا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُوصَفُ بِالثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ؟ قِيلَ لَهُ فِي قَوْلِهِ: (وَمَا وَجْهُ وَزْنِ اللَّهِ الْأَعْمَالَ وَهُوَ الْعَالِمُ بِمَقَادِيرِهَا قَبْلَ كَوْنِهَا؟) : وَزْنُ ذَلِكَ نَظِيرُ إِثْبَاتِهِ إِيَّاهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَاسْتِنْسَاخِهِ ذَلِكَ فِي