وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الَّذِي يَتْلُو ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ [الأعراف: ١١]، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ قَبْلَ أَنْ يُصَوِّرَ ذُرِّيَّتَهُ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، بَلْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ أُمَّهَاتِهِمْ، وَ (ثُمَّ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَا تَأْتِي إِلَّا بِإِيذَانِ انْقِطَاعِ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: قُمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، لَا يَكُونُ الْقُعُودُ إِذْ عَطَفَ بِهِ بِـ (ثُمَّ) عَلَى قَوْلِهِ: (قُمْتُ) إِلَّا بَعْدَ الْقِيَامِ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْكَلَامِ. وَلَوْ كَانَ الْعَطْفُ فِي ذَلِكَ بِالْوَاوِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَعْدَهَا قَدْ كَانَ قَبْلَ الَّذِي قَبْلَهَا، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: قُمْتُ وَقَعَدْتُ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْقُعُودُ فِي هَذَا الْكَلَامِ قَدْ كَانَ قَبْلَ الْقِيَامِ، لِأَنَّ الْوَاوَ تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ إِذَا كَانَتْ عَطْفًا لِتُوجِبَ لِلَّذِي بَعْدَهَا مِنَ الْمَعْنَى مَا وَجَبَ لِلَّذِي قَبْلَهَا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ مِنْهَا بِنَفْسِهَا، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، أَوْ إِنْ كَانَا فِي وَقْتَيْنِ أَيُّهُمَا الْمُتَقَدِّمُ وَأَيُّهُمَا الْمُتَأَخِّرُ. فَلَمَّا وَصَفْنَا قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ [الأعراف: ١١] لَا يَصِحُّ تَأْوِيلُهُ إِلَّا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا كَانَتْ رُبَّمَا نَطَقَتْ بِـ (ثُمَّ) فِي مَوْضِعِ الْوَاوِ فِي ضَرُورَةِ شِعْرٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
[البحر المتقارب]
سَأَلْتُ رَبِيعَةَ مَنْ خَيْرُهَا | أَبًا ثُمَّ أُمًّا فَقَالَتْ لِمَهْ |