وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: لَيْسَتْ (لَا) بِحَشْو فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَا صِلَةٍ، وَلَكِنَّ الْمَنْعَ هَهُنَا بِمَعْنَى الْقَوْلِ. إِنَّمَا تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: مَنْ قَالَ لَكَ لَا تَسْجُدْ إِذْ أَمَرْتُكَ بِالسُّجُودِ؟ وَلَكِنْ دَخَلَ فِي الْكَلَامِ (أَنْ) إِذْ كَانَ الْمَنْعُ بِمَعْنَى الْقَوْلِ لَا فِي لَفْظِهِ، كَمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَلَامِ الَّذِي يُضَارِعُ الْقَوْلَ، وَهُوَ لَهُ فِي اللَّفْظِ مُخَالِفٌ كَقَوْلِهِمْ: نَادَيْتُ أَنْ لَا تَقُمْ، وَحَلَفْتُ أَنْ لَا تَجْلِسَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ رَوَى: (أَبَى جُودُهُ لَا الْبُخْلِ) بِمَعْنَى: كَلِمَةِ الْبُخْلِ، لِأَنَّ (لَا) هِيَ كَلِمَةُ الْبُخْلِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: كَلِمَةَ الْبُخْلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى الْمَنْعِ: الْحَوْلُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَمَا يُرِيدُهُ، قَالَ: وَالْمَمْنُوعُ مُضْطَرٌّ بِهِ إِلَى خِلَافِ مَا مُنِعَ مِنْهُ، كَالْمَمْنُوعِ مِنَ الْقِيَامِ وَهُوَ يُرِيدُهُ، فَهُوَ مُضْطَرٌّ مِنَ الْفِعْلِ إِلَى مَا كَانَ خِلَافًا لِلْقِيَامِ، إِذْ كَانَ الْمُخْتَارُ لِلْفِعْلِ هُوَ الَّذِي لَهُ السَّبِيلُ إِلَيْهِ وَإِلَى خِلَافِهِ، فَيُؤْثِرُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَفْعَلُهُ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ صِفَةُ الْمَنْعِ ذَلِكَ، فَخُوطِبَ إِبْلِيسُ بِالْمَنْعِ، فَقِيلَ لَهُ: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾ [الأعراف: ١٢] كَانَ مَعْنَاهُ: كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَيُّ شَيْءٍ اضْطَرَّكَ إِلَى أَنْ لَا تَسْجُدَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفًا قَدْ كَفَى دَلِيلُ الظَّاهِرِ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ: مَا مَنَعَكَ مِنَ السُّجُودِ فَأَحْوَجَكَ أَنْ لَا تَسْجُدَ؟ فَتَرَكَ ذِكْرَ أَحْوَجَكَ اسْتِغْنَاءً بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ. قَوْلُهُ: {إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ