اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ جَوَابِ إِبْلِيسَ إِيَّاهُ إِذْ سَأَلَهُ: مَا الَّذِي مَنَعَهُ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ، فَأَحْوَجَهُ إِلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ لَهُ، وَاضْطَرَّهُ إِلَى خِلَافِهِ أَمْرَهُ بِهِ وَتَرْكِهِ طَاعَتَهُ، أَنَّ الْمَانِعَ كَانَ لَهُ مِنَ السُّجُودِ وَالدَّاعِي لَهُ إِلَى خِلَافِهِ أَمْرَ رَبِّهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَشَدُّ مِنْهُ أَيْدًا، وَأَقْوَى مِنْهُ قُوَّةً، وَأَفْضَلُ مِنْهُ فَضْلًا، لِفَضْلِ الْجِنْسِ الَّذِي مِنْهُ خُلِقَ وَهُوَ النَّارُ، مِنَ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ آدَمُ وَهُوَ الطِّينُ، فَجَهَلَ عَدُوُّ اللَّهِ وَجْهَ الْحَقِّ، وَأَخْطَأَ سَبِيلَ الصَّوَابِ، إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مِنَ جَوْهَرِ النَّارِ: الْخِفَّةَ وَالطَّيْشَ وَالِاضْطِرَابَ وَالِارْتِفَاعَ عُلُوًّا، وَالَّذِي فِي جَوْهَرِهَا مِنْ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي حَمَلَ الْخَبِيثَ بَعْدَ الشَّقَاءِ الَّذِي سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ عَلَى الِاسْتِكْبَارِ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ وَالِاسْتِخْفَافِ بِأَمْرِ رَبِّهِ، فَأَوْرَثَهُ الْعَطَبَ وَالْهَلَاكَ، وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مِنَ جَوْهَرِ الطِّينِ: الرَّزَانَةَ وَالْأَنَاةَ وَالْحِلْمَ وَالْحَيَاءَ وَالتَّثَبُّتَ، وَذَلِكَ الَّذِي فِي جَوْهَرِهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ الدَّاعِي لِآدَمَ بَعْدَ السَّعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْ رَبِّهِ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ إِلَى التَّوْبَةِ مِنْ خَطِيئَتِهِ، وَمَسْأَلَتِهِ رَبَّهُ الْعَفْوَ عَنْهُ وَالْمَغْفِرَةَ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ يَقُولَانِ: «أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسَ»، يَعْنِيَانِ بِذَلِكَ: الْقِيَاسَ الْخَطَأَ، وَهُوَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ خَطَأِ قَوْلِهِ وَبُعْدِهِ مِنْ إِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الْفَضْلِ الَّذِي خَصَّ اللَّهُ بِهِ آدَمَ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ مِنْ خَلْقِهِ إِيَّاهُ بِيَدِهِ، وَنَفْخِهِ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَإِسْجَادِهِ لَهُ الْمَلَائِكَةَ، وَتَعْلِيمِهِ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ مَعَ سَائِرِ مَا خَصَّهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، فَضَرَبَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الْجَاهِلُ صَفْحًا، وَقَصَدَ إِلَى الِاحْتِجَاجِ بِأَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ نَارٍ وَخَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا لَهُ غَيْرُ كُفْءٍ، لَوْ لَمْ يَكُنْ لِآدَمَ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ تَكْرِمَةً شَيْءٌ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ وَالَّذِي خَصَّ