غَوِيَ الْفَصِيلُ يَغْوَى غَوًى، وَذَلِكَ إِذَا فَقَدَ اللَّبَنَ فَمَاتَ، مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]

مُعَطَّفَةُ الْأَثْنَاءِ لَيْسَ فَصِيلُهَا بِرَازِئِهَا دَرًّا وَلَا مَيِّتٍ غَوًى
وَأَصْلُ الْإِغْوَاءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: تَزْيِينُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ الشَّيْءَ حَتَّى يُحَسِّنَهُ عِنْدَهُ غَارًّا لَهُ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ قَبَائِلِ طَيِّئٍ أَنَّهَا تَقُولُ: أَصْبَحَ فُلَانٌ غَاوِيًا: أَيْ أَصْبَحَ مَرِيضًا. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْقَسَمِ، كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ: فَبِإِغْوَائِكَ إِيَّايَ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، كَمَا يُقَالُ: بِاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْمُجَازَاةِ، كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ: فَلِأَنَّكَ أَغْوَيْتَنِي، أَوْ فَبِأَنَّكَ أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. وَفِي هَذَا بَيَانٌ وَاضِحٌ عَلَى فَسَادِ مَا يَقُولُ الْقَدَرِيَّةُ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَفَرَ أَوْ آمَنَ فَبِتَفْوِيضِ اللَّهِ أَسْبَابَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي بِهِ يَصِلُ الْمُؤْمِنُ إِلَى الْإِيمَانِ هُوَ السَّبَبُ الَّذِي بِهِ يَصِلُ الْكَافِرُ إِلَى الْكُفْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ الْخَبِيثُ قَدْ قَالَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ [الأعراف: ١٦] فَبِمَا أَصْلَحْتَنِي، إِذْ كَانَ سَبَبُ الْإِغْوَاءِ هُوَ سَبَبَ الْإِصْلَاحِ، وَكَانَ فِي إِخْبَارِهِ عَنِ الْإِغْوَاءِ إِخْبَارٌ عَنِ


الصفحة التالية
Icon