حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ الْمَدَنِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف: ١٦] قَالَ: «سَبِيلَ الْحَقِّ، فَلَأُضِلَّنَّهُمْ إِلَّا قَلِيلًا» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَعْنَاهُ: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ عَلَى صِرَاطِكَ الْمُسْتَقِيمِ، كَمَا يُقَالُ: تَوَجَّهَ مَكَّةَ: أَيْ إِلَى مَكَّةَ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
كَأَنِّيَ إِذْ أَسْعَى لِأَظْفَرَ طَائِرًا | مَعَ النَّجْمِ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ |
بِمَعْنَى: لِأَظْفَرَ بِطَائِرٍ، فَأَلْقَى الْبَاءَ، وَكَمَا قَالَ:
﴿أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٥٠] بِمَعْنَى: أَعَجِلْتُمْ عَنْ أَمْرِ رَبِّكُمْ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ عَلَى طَرِيقِهِمْ، وَفِي طَرِيقِهِمْ، قَالَ: وَإِلْقَاءُ الصِّفَةِ مِنْ هَذَا جَائِزٌ، كَمَا تَقُولُ: قَعَدْتُ لَكَ وَجْهَ الطَّرِيقِ، وَعَلَى وَجْهِ الطَّرِيقِ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ صِفَةٌ فِي الْمَعْنَى يَحْتَمِلُ مَا يَحْتَمِلُهُ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ وَالْعَامُ، إِذْ قِيلَ: آتِيكَ غَدًا، وَآتِيكَ فِي غَدٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الْقُعُودَ مُقْتَضٍ مَكَانًا