ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: هُوَ الْخُمُسُ. قَالَ الْمُهَاجِرُونَ: لَمْ يُرْفَعْ عَنَّا هَذَا الْخُمُسُ؟ لَمْ يَخْرُجْ مِنَّا؟ فَقَالَ اللَّهُ: هُوَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ "
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " أَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخُمُسِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ، فَنَزَلَتْ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي مَعْنَى الْأَنْفَالِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هِيَ زِيَادَاتٌ يَزِيدُهَا الْإِمَامُ بَعْضَ الْجَيْشِ أَوْ جَمِيعَهُمْ إِمَّا مِنْ سَلَبِهِ عَلَى حُقُوقَهِمْ مِنَ الْقِسْمَةِ، وَإِمَّا مِمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ بِالنَّفَلِ، أَوْ بِبَعْضِ أَسْبَابِهِ، تَرْغِيبًا لَهُ وَتَحْرِيضًا لِمَنْ مَعَهُ مِنْ جَيْشِهِ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ وَصَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ صَلَاحُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ. وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّهُ الْفَرَسُ وَالدِّرْعُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا قَالَهُ عَطَاءٌ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَا عَادَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرُهُ إِلَى الْإِمَامِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ لِغَلَبَةٍ وَقَهْرٍ، يَفْعَلُ مَا فِيهِ صَلَاحُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِيهِ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْجَيْشُ بِقَهْرٍ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ لِأَنَّ النَّفَلَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِنَّمَا هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ مِنْهُ: نَفَلْتُكَ كَذَا، وَأَنْفَلْتُكَ: إِذَا زِدْتُكَ، -[١١]- وَالْأَنْفَالُ: جَمْعُ نَفَلٍ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ:
[البحر الرمل]

إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَلْ وَبِإِذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وَعَجَلْ
فَإِذَا كَانَ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا، فَكُلُّ مَنْ زِيدَ مِنْ مَقَاتِلَةِ الْجَيْشِ عَلَى سَهْمِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لِبَلَاءٍ أَبْلَاهُ أَوْ لِغَنَاءٍ كَانَ مِنْهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، بِتَنْفِيلِ الْوَالِي ذَلِكَ إِيَّاهُ، فَيَصِيرُ حُكْمُ ذَلِكَ لَهُ كَالسَّلَبِ الَّذِي يَسْلُبُهُ الْقَاتِلُ فَهُوَ مُنَفَّلٌ مَا زِيدَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَوْجَبَةً فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِحَقٍّ، فَلَيْسَتْ مِنَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي تَقَعُ فِيهَا الْقِسْمَةُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا رَضَخَ لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ فَهُوَ نَفَلٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ مِمَّا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقِسْمَةُ. فَالْفَصْلُ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَالنَّفَلِ، أَنَّ الْغَنِيمَةُ هِيَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ بِغَلَبَةٍ وَقَهْرٍ نَفَلَ مِنْهُ مُنَفَّلٌ أَوَلَمْ يُنَفَّلُ وَالنَّفَلُ: هُوَ مَا أُعْطِيهِ الرَّجُلَ عَلَى الْبَلَاءِ وَالْغَنَاءِ عَنِ الْجَيْشِ عَلَى غَيْرِ قِسْمَةٍ. -[١٢]- وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى النَّفَلِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: يَسْأَلُكَ أَصْحَابُكَ يَا مُحَمَّدُ عَنِ الْفَضْلِ مِنَ الْمَالِ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ الْقِسْمَةُ مِنْ غَنِيمَةِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرٍ لِمَنْ هُوَ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: هُوَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ دُونَكُمْ، يَجْعَلُهُ حَيْثُ شَاءَ. وَاخْتُلِفَ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَفَلَ أَقْوَامًا عَلَى بَلَاءٍ، فَأَبْلَى أَقْوَامٌ وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَلَفُوا فِيهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى رَسُولِهِ، يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ مَا فَعَلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَاضٍ جَائِزٌ


الصفحة التالية
Icon