كَمَا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَحدثني الْكَلْبِيُّ، عَنْ زَاذَانَ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ نَفَرًا، مِنْ قُرَيْشِ مِنْ أَشْرَافِ كُلِّ قَبِيلَةٍ اجْتَمَعُوا لِيَدْخُلُوا دَارَ النَّدْوَةِ، فَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ نَجْدٍ، سَمِعْتُ أَنَّكُمُ اجْتَمَعْتُمْ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَحْضُرَكُمْ وَلَنْ يَعْدِمَكُمْ مِنِّي رَأْي وَنُصْحٌ. قَالُوا: أَجَلْ، ادْخُلْ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: انْظُرُوا فِي شَأْنِ هَذَا الرَّجُلِ، وَاللَّهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يُوَاثِبَكُمْ فِي أُمُورِكُمْ بِأَمْرِهِ قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ: احْبِسُوهُ فِي وَثَاقٍ، ثُمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ حَتَّى يَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ، زُهَيْرٌ وَالنَّابِغَةُ، إِنَّمَا هُوَ كَأَحَدِهِمْ قَالَ: فَصَرَخَ عَدُوُّ اللَّهِ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هَذَا لَكُمْ رَأْي، وَاللَّهِ لَيُخْرِجَنَّهُ رَبُّهُ مِنْ مَحْبَسِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَثِبُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ فَيَمْنَعُوهُ مِنْكُمْ، فَمَا آمَنُ عَلَيْكُمْ أَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ، قَالُوا: فَانْظُرُوا فِي غَيْرِ هَذَا. قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ: أَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ تَسْتَرِيحُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُ إِذَا خَرَجَ لَنْ يَضُرَّكُمْ مَا صَنَعَ وَأَيْنَ وَقَعَ إِذَا غَابَ عَنْكُمْ أَذَاهُ -[١٣٥]- وَاسْتَرَحْتُمْ وَكَانَ أَمْرُهُ فِي غَيْرِكُمْ، فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: وَاللَّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْي، أَلَمْ تَرَوْا حَلَاوَةَ قَوْلِهِ وَطَلَاقَةَ لِسَانِهِ وَأَخْذَ الْقُلُوبِ مَا تَسْمَعُ مِنْ حَدِيثِهِ؟ وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ ثُمَّ اسْتَعْرَضَ الْعَرَبَ، لَتَجْتَمِعَنَّ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ لَيَأْتِيَنَّ إِلَيْكُمْ حَتَّى يُخْرِجَكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ وَيَقْتُلَ أَشْرَافَكُمْ، قَالُوا: صَدَقَ وَاللَّهِ، فَانْظُرُوا رَأَيًا غَيْرَ هَذَا قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ لَأَشِيرَنَّ عَلَيْكُمْ بِرَأْي مَا أَرَاكُمْ أَبْصَرْتُمُوهُ بَعْدُ مَا أَرَى غَيْرَهُ. قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: نَأْخُذُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ غُلَامًا وَسَطًا شَابًّا نَهْدًا، ثُمَّ يُعْطَى كُلُّ غُلَامٍ مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا قَتَلُوهُ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ كُلِّهَا، فَلَا أَظُنُّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَقْدِرُونَ عَلَى حَرْبِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، فَإِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ قَبِلُوا الْعَقْلَ وَاسْتَرَحْنَا وَقَطَعنا عنا أَذَاهُ. فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: هَذَا وَاللَّهِ الرَّأْي الْقَوْلُ مَا قَالَ الْفَتَى، لَا أَرَى غَيْرَهُ. قَالَ: فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ. قَالَ: فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ فِي مَضْجَعِهِ الَّذِي كَانَ يَبِيتُ فِيهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَأَذِنَ اللَّهُ لَهُ عندَ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ الْأَنْفَالَ يُذَكِّرُهُ نِعَمَهُ عَلَيْهِ وَبَلَاءَهُ عندَهُ: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠] ؛ وَأَنْزَلَ فِي قَوْلِهِمْ: «تَرَبَّصُوا بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ» حَتَّى يَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠] وَكَانَ يُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ: «يَوْمَ الزَّحْمَةِ» لِلَّذِي اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنَ الرَّأْيِ "