حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠] قَالَ: اجْتَمَعَتْ مَشْيَخَةُ قُرَيْشٍ يَتَشَاوَرُونَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا أَسْلَمَتِ الْأَنْصَارُ وَفَرِقُوا أَنْ يَتَعَالَى أَمْرُهُ إِذَا وَجَدَ مَلْجَأً لَجَأَ إِلَيْهِ. فَجَاءَ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي دَارِ النَّدْوَةِ، فَلَمَّا أَنْكَرُوهُ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَاللَّهِ مَا كُلُّ قَوْمِنَا أَعْلَمْنَاهُمْ مَجْلِسَنَا هَذَا قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ سْمَعُ مِنْ حَدِيثِكُمْ وَأُشِيرُ عَلَيْكُمْ. فَاسْتَحْيُوا فَخَلَّوْا عَنْهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خُذُوا مُحَمَّدًا إِذَا اصْطَبَحَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاجْعَلُوهُ فِي بَيْتٍ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ وَالرِّيَبُ: هُوَ الْمَوْتُ، وَالْمَنُونُ: هُوَ الدَّهْرُ قَالَ إِبْلِيسُ: بِئْسَمَا قُلْتَ، تَجْعَلُونَهُ فِي بَيْتٍ فَيَأْتِي أَصْحَابُهُ فَيُخْرِجُونَهُ فَيَكُونُ بَيْنَكُمْ قِتَالٌ، قَالُوا: صَدَقَ الشَّيْخُ. قَالَ: أَخْرِجُوهُ مِنْ قَرْيَتِكُمْ قَالَ إِبْلِيسُ: بِئْسَمَا قُلْتَ، تُخْرِجُونَهُ مِنْ قَرْيَتِكُمْ وَقَدْ أَفْسَدَ سُفَهَاءَكُمْ فَيَأْتِي قَرْيَةً أُخْرَى فَيُفْسِدُ سُفَهَاءَهُمْ فَيَأْتِيكُمْ بِالْخَيْلِ وَالرِّجَالِ. قَالُوا: صَدَقَ الشَّيْخُ. قَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَكَانَ أُولَاهُمْ بِطَاعَةِ إِبْلِيسَ: بَلْ نَعْمِدُ إِلَى كُلِّ بَطْنٍ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ، -[١٣٨]- فَنُخْرِجُ مِنْهُمْ رَجُلًا فَنُعْطِيهِمُ السِّلَاحَ، فَيَشُدُّونَ عَلَى مُحَمَّدٍ جَمِيعًا فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَسْتَطِيعُ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ يَقْتِلُوا قُرَيْشًا، فَلَيْسَ لَهُمْ إِلَّا الدِّيَةُ. قَالَ إِبْلِيسُ: صَدَقَ، وَهَذَا الْفَتَى هُوَ أَجْوَدُكُمْ رَأَيًا. فَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَامَ عَلَى الْفِرَاشِ، وَجَعَلُوا عَلَيْهِ الْعُيُونَ. فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، انْطَلَقَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الْغَارِ، وَنَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْفِرَاشِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] وَالْإِثْبَاتُ: هُوَ الْحَبْسُ وَالْوَثَاقُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٦] يَقُولُ: يُهْلِكُهُمْ. فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ لَقِيَهُ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ الْقَوْمُ؟ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُمْ قَدْ أُهْلِكُوا حِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، وَكَذَلِكَ كَانَ يُصْنَعُ بِالْأُمَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُخِّرُوا بِالْقِتَالِ»


الصفحة التالية
Icon