قَدِمَ آخَرٌ فَنَقَرَ فَوْقَ رَأْسِهِ. بِعَصًا نَقْرَةً، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَقَالَ: «مَا صُورَتُهُ يَا جِبْرِيلُ؟» فَقَالَ: كُفِيتَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِآخَرَ فَنَقَرَ فِي رُكْبَتِهِ، فَقَالَ: «مَا صُورَتُهُ يَا جِبْرِيلُ؟» قَالَ: كُفِيتَهُ. ثُمَّ أُتِيَ بِآخَرَ، فَسَقَاهُ مَذْقَةً، فَقَالَ: «مَا صُورَتُهُ يَا جِبْرِيلُ؟» قَالَ: كُفِيتَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. وَأُتِيَ بِالْخَامِسِ. فَلَمَّا غَدَا مِنْ بَيْتِهِ مَرَّ بِنِبَالٍ، فَتَعَلَّقَ مِشْقَصٌ بِرِدَائِهِ فَالْتَوَى، فَقَطَعَ الْأَكْحَلَ مِنْ رِجْلِهِ. وَأَمَّا الَّذِي كَحَلْتُ عَيْنَاهُ فَأَصْبَحَ وَقَدْ عَمِي، وَأَمَّا الَّذِي سُقِيَ مَذْقَةً فَأَصْبَحَ وَقَدِ اسْتَسْقَى بَطْنُهُ؛ وَأَمَّا الَّذِي نُقِرَ فَوْقَ رَأْسِهِ فَأَخَذْتُهُ النَّقَدَةُ وَالنَّقَدَةُ: قُرْحَةٌ عَظِيمَةٌ أَخَذَتْهُ فِي رَأْسِهِ. وَأَمَّا الَّذِي طُعِنَ فِي رُكْبَتِهِ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ أُقْعِدَ. فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠] "
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَوْلُهُ: " ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠] أَيْ: فَمَكَرْتُ لَهُمْ بِكَيْدِي الْمَتِينِ حَتَّى خَلَّصْتُكَ مِنْهُمْ "
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ -[١٤١]- عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: " ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنفال: ٣٠] قَالَ: هَذِهِ مَكِّيَّةٌ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذِهِ مَكِّيَّةٌ " فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ نِعْمَتِي عِنْدَكَ بِمَكْرِي بِمَنْ حَاوَلَ الْمَكْرَ بِكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ، بِإِثْبَاتِكَ، أَوْ قَتْلِكَ، أَوْ إخْرَاجِكَ مِنْ وَطَنِكَ، حَتَّى اسْتَنْقَذْتُكَ مِنْهُمْ وَأَهْلَكْتُهُمْ، فَامْضِ لِأَمْرِي فِي حَرْبِ مِنْ حَارَبَكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَتَوَلَّى عَنْ إِجَابَةِ مَا أَرْسَلْتُكَ بِهِ مِنَ الدِّينِ الْقَيِّمِ، وَلَا يُرْعِبَنَّكَ كَثْرَةُ عَدَدِهِمْ، فَإِنَّ رَبَّكَ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ بِمَنْ كَفَرَ بِهِ وَعَبَدَ غَيْرَهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَكْرِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ