عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٤] فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ؛ إِذْ كَانَ ذَلِكَ يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ قَتْلُ كُلِّ مُشْرِكٍ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي تَتْلُو ذَلِكَ تُنْبِئُ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا وَفَسَادِ مَا ظَنَّهُ مَنْ ظَنَّ أَنَّ انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَانَ يُبِيحُ قَتْلَ كُلِّ مُشْرِكٍ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ عَهْدٌ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٧] فَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِقَامَةِ لَهُمْ فِي عَهْدِهِمْ مَا اسْتَقَامُوا لَهُمْ بِتَرْكِ نَقْضِ صُلْحِهِمْ وَتَرْكِ مُظَاهَرَةِ عَدُوِّهِمْ عَلَيْهِمْ. وَبَعْدُ: فَفِي الْأَخْبَارِ الْمُتَظَاهِرَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حِينَ بَعَثَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِبَرَاءَةَ إِلَى أَهْلِ الْعُهُودِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَمَرَهُ فِيمَا أَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ بِهِ فِيهِمْ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَقْضِ عَهْدِ قَوْمٍ كَانَ عَاهَدَهُمْ إِلَى أَجَلٍ، فَاسْتَقَامُوا عَلَى عَهْدِهِ بِتَرْكِ نَقْضِهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَجَّلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مَنْ كَانَ قَدْ نَقْضَ عَهْدَهُ قَبْلَ التَّأْجِيلِ أَوْ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ إِلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ أَجَلُ عَهْدِهِ مَحْدُودًا وَلَمْ يَجْعَلْ بِنِقْضِهِ عَلَى نَفْسِهِ سَبِيلًا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِإِتْمَامِ