مِنْهُمْ مِنْ سَاكِنِي مَكَّةَ كَانَ قَدْ نَقْضَ الْعَهْدَ وَحُورِبَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٤] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَنِ اتَّقَى وَرَاقَبَهُ فِي أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَالْوَفَاءَ بِعَهْدِهِ لِمَنْ عَاهَدَهُ، وَاجْتِنَابَ مَعَاصِيهِ، وَتَرْكَ الْغَدْرِ بِعُهُودِهِ لِمَنْ عَاهَدَهُ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: ٨] يعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: كَيْفَ يَكُونُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ أَوْ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ مِنْهُمْ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَهْدٌ وَذِمَّةٌ، وَهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَغْلِبُوكُمْ، لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً. وَاكْتَفَى بِـ كَيْفَ دَلِيلًا عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ، لِتَقَدُّمِ مَا يُرَادُ مِنَ الْمَعْنَى بِهَا قَبْلَهَا، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ إِذَا أَعَادَتِ الْحَرْفَ بَعْدَ مُضِيِّ مَعْنَاهُ اسْتَجَازُوا حَذْفَ الْفِعْلِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
وَخَبَّرْتُمَانِي أَنَّمَا الْمَوْتُ فِي الْقُرَى | فَكَيْفَ وَهَذِي هَضْبَةٌ وَكثَيِبُ |