حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ وَنَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْمُهَاجِرُونَ: لَوَدِدْنَا أَنَّا عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ؛ إِذْ نَزَلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا نَزَلَ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنْ شِئْتُمْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ. فَقَالُوا: أَجَلْ. فَانْطَلَقَ فَتَبِعْتُهُ أُوضِعُ عَلَى بَعِيرِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا أَنْزَلَ قَالُوا: وَدِدْنَا أَنَّا عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ، قَالَ: «نَعَمْ، فَيَتَّخِذُ أَحَدُكُمْ لِسَانًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا شَاكِرًا، وَزَوْجَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى إِيمَانِهِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ: الْقَوْلُ الَّذِي ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَالٍ أَدَّيْتَ زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ يَحْرُمُ عَلَى صَاحِبِهِ اكْتِنَازُهُ وَإِنْ كَثُرَ، وَأَنَّ كُلَّ مَا لَمْ تُؤَدِّ زَكَاتَهُ فَصَاحِبُهُ مُعَاقَبٌ مُسْتَحِقٌّ وَعِيدَ اللَّهِ إِلَّا أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ وَإِنْ قُلْ إِذَا كَانَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ فِي خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ رُبُعَ عُشْرِهَا، وَفِي عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنَ الذَّهَبِ مِثْلَ ذَلِكَ رُبُعَ عُشْرِهَا. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضَ اللَّهِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَثِيرَ مِنَ الْمَالِ وَإِنْ بَلَغَ فِي الْكَثْرَةِ أُلُوفَ أُلُوفٍ لَوْ كَانَ، وَإِنْ أَدَّيْتَ زَكَاتَهُ مِنَ الْكُنُوزِ الَّتِي أَوْعَدَ اللَّهُ أَهْلَهَا عَلَيْهَا الْعِقَابَ، لَمْ يَكُنْ فِيهِ الزَّكَاةُ الَّتِي ذَكَرْنَا -[٤٣١]- مِنْ رُبُعِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ فَرْضًا إِخْرَاجُ جَمِيعِهِ مِنَ الْمَالِ وَحَرَامٌ اتِّخَاذُهُ فَزَكَاتُهُ الْخُرُوجُ مِنْ جَمِيعِهِ إِلَى أَهْلِهِ لَا رُبُعُ عُشْرِهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْغَاصِبِ إِمْسَاكُهُ وَفَرْضٌ عَلَيْهِ إِخْرَاجُهُ مِنْ يَدِهِ إِلَى يَدِهِ، فَالتَّطَهُّرُ مِنْهُ رَدُّهُ إِلَى صَاحِبِهِ. فَلَوْ كَانَ مَا زَادَ مِنَ الْمَالِ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، أَوْ مَا فَضُلَ عَنْ حَاجَةِ رَبِّهِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا مِمَّا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ بِاقْتِنَائِهِ إِذَا أَدَّى إِلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ حُقُوقَهُمْ مِنْهَا مِنَ الصَّدَقَةِ وَعِيدَ اللَّهِ لَمْ يَكُنِ اللَّازِمُ رَبِّهِ فِيهِ رُبُعَ عُشْرِهِ، بَلْ كَانَ اللَّازِمُ لَهُ الْخُرُوجَ مِنْ جَمِيعِهِ إِلَى أَهْلِهِ وَصَرْفِهِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَرْفُهُ، كَالَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى غَاصِبِ رَجُلٍ مَالَهُ رَدُّهُ عَلَى رَبِّهِ. وَبَعْدُ