فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَنْكَرْتَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَكَرْتَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ كَلَامِهَا إِخْرَاجُ كِنَايَةِ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ بِالْهَاءِ دُونَ النُّونِ، وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل]

أَصْبَحْنَ فِي قُرْحَ وَفِي دَارَاتِهَا سَبْعَ لَيَالٍ غَيْرَ مَعْلُوفَاتِهَا
وَلَمْ يَقُلْ: مُعْلُوفَاتِهِنَّ، وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنِ السَّبْعِ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَلَيْسَ الْأَصَحَّ الْأَعْرَفَ فِي كَلَامِهَا، وَتَوْجِيهُ كَلَامِ اللَّهِ إِلَى الْأَفْصَحِ الْأَعْرَفِ أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهِهِ إِلَى الْأَنْكَرِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا لَنَا ظُلْمُ أَنْفُسِنَا فِي غَيْرِهِنَّ مِنْ سَائِرِ شُهُورِ السَّنَةِ؟ قِيلَ: لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، بَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْنَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَزَمَانٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَظَّمَ حُرْمَةَ هَؤُلَاءِ الْأَشْهُرِ وَشَرَفَهُنَّ عَلَى سَائِرِ شُهُورِ السَّنَةِ، فَخَصَّ الذَّنْبَ فِيهِنَّ بِالتَّعْظِيمِ كَمَا خَصَّهُنَّ بِالتَّشْرِيفِ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: ٢٣٨] وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ كُلِّهَا بِقَوْلِهِ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ [البقرة: ٢٣٨] وَلَمْ يُبِحْ تَرْكَ


الصفحة التالية
Icon