وَأَمَّا الصَّوَابُ مِنَ الْقُرَّاءِ فِي النَّسِيءِ، فَالْهَمْزُ، وَقِرَاءَتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ فَعِيلٍ؛ لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافَهَا فِيمَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا﴾ [التوبة: ٣٧] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: يُحِلُّ الَّذِينَ كَفَرُوا النَّسِيءَ، وَالْهَاءَ فِي قَوْلِهِ: ﴿يُحِلُّونَهُ﴾ [التوبة: ٣٧] عَائِدَةٌ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: يُحِلُّونَ الَّذِينَ أَخَّرُوا تَحْرِيمَهُ مِنَ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ الْحُرُمِ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا ﴿لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ يَقُولُ: لِيُوَافِقُوا بِتَحْلِيلِهِمْ مَا حَلَّلُوا مِنَ الشُّهُورِ وَتَحْرِيمِهِمْ مَا حَرَّمُوا مِنْهَا، عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ﴿فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾ [التوبة: ٣٧] يَقُولُ: حُسِّنَ لَهُمْ وَحُبِّبَ إِلَيْهِمْ سَيِّئُ أَعْمَالِهِمْ وَقَبِيحُهَا وَمَا خُولِفَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ وَطَاعِتُهُ. ﴿وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٦٤] يَقُولُ: وَاللَّهُ لَا يُوَفِّقُ لِمَحَاسِنِ الْأَفْعَالِ وَحِلِّهَا وَمَا لِلَّهِ فِيهِ رِضًا، الْقَوْمَ الْجَاحِدِينَ تَوْحِيدَهُ وَالْمُنْكِرِينَ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ يَخْذِلُهُمْ عَنِ الْهُدَى كَمَا خَذَلَ هَؤُلَاءِ النَّاسِ عَنِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ -[٤٥٢]- ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: " ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ٣٧] قَالَ: النَّسِيءُ: هُوَ أَنَّ جُنَادَةَ بْنَ عَوْفِ بْنِ أُمَيَّةَ الْكِنَانِيَّ كَانَ يُوَافِي الْمَوْسِمَ فِي كُلِّ عَامٍ، وَكَانَ يُكْنَى أَبَا ثُمَامَةَ، فَيُنَادِي: أَلَا إِنَّ أَبَا ثُمَامَةَ لَا يُحَابُ وَلَا يُعَابُ، أَلَا وَإِنَّ صَفَرَ الْعَامَ الْأَوَّلَ حَلَالٌ، فَيُحِلُّهُ النَّاسُ، فَيُحَرِّمُ صَفَرَ عَامًا، وَيُحَرِّمُ الْمُحَرَّمَ عَامًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ٣٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: ٣٧] وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ٣٧] يَقُولُ: يَتْرُكُونَ الْمُحَرَّمَ عَامًا، وَعَامًا يُحَرِّمُونَهُ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ مِنْ تَأْوِيلِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ (النَّسْيُ) بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ وَتَرْكِ الْمَدِّ، وَتَوْجِيهُهُ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى أَنَّهُ فَعْلٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: نَسِيتُ الشَّيْءَ أَنْسَاهُ، وَمِنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] بِمَعْنَى: تَرَكُوا اللَّهَ فَتَرَكَهُمْ