حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجْمَعُوا صَدَقَاتِهِمْ، وَإِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَدْ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَقَالَ: هَذَا مَالِي أُقْرِضُهُ اللَّهَ وَقَدْ بَقِيَ لِي مِثْلُهُ فَقَالَ لَهُ: «بُورِكَ لَكَ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَفِيمَا أَمْسَكْتَ» فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا أَعْطَى إِلَّا رِيَاءً، وَمَا أَعْطَى صَاحِبُ الصَّاعِ إِلَّا رِيَاءً، إِنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَغَنِيَّيْنِ عَنْ هَذَا، وَمَا يَصْنَعُ اللَّهُ بِصَاعٍ مِنْ شَيْءٍ؟
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٧٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٧٩] قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَصَدَّقُوا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَلْقَى مَالًا وَافِرًا، فَأَخَذَ نِصْفَهُ قَالَ: فَجِئْتُ أَحْمِلُ مَالًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: تُرَائِي يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: أُرَائِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَمَّا غَيْرَهُمَا فَلَا. قَالَ: وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَآجَرَ نَفْسَهُ لَيَجُرَّ الْجَرِيرَ عَلَى رَقَبَتِهِ بِصَاعَيْنِ لَيْلَتَهُ، فَتَرَكَ صَاعًا لِعِيَالِهِ وَجَاءَ بِصَاعٍ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَنْ صَاعِكَ لَغَنِيَّانِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] هَذَا الْأَنْصَارِيُّ ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٧٩] " -[٥٩٧]- وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى اللَّمْزِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِشَوَاهِدِهِ وَمَا فِيهِ مِنَ اللُّغَةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيمَا مَضَى وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿الْمُطَّوِّعِينَ﴾ [التوبة: ٧٩] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: الْمُتَطَوِّعِينَ، أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الطَّاءِ، فَصَارَتْ طَاءً مُشَدَّدَةً، كَمَا قِيلَ: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ [البقرة: ١٥٨] يَعْنِي يَتَطَوَّعُ. وَأَمَّا الْجَهْدُ فَإِنَّ لِلْعَرَبِ فِيهِ لُغَتَيْنِ، يُقَالُ: أَعْطَانِي مِنْ جُهْدِهِ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَمَنْ جَهْدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَذَلِكَ لُغَةُ نَجْدٍ. وَعَلَى الضَّمِّ قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ هُوَ الِاخْتِيَارُ عِنْدَنَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ رُوَاةِ الشِّعْرِ وَأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا مَفْتُوحَةٌ وَمَضْمُومَةٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ اللُّغَةِ فِيهِ كَمَا اخْتَلَفَتْ لُغَاتُهُمْ فِي الْوُجْدِ وَالْوَجْدِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ مِنْ «وَجَدْتُ»


الصفحة التالية
Icon