قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ حُكْمُهَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ وَلَّى الدُّبُرَ عَنِ الْعَدُوِّ مُنْهَزِمًا
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦]، ﴿فَقَدْ بَاءَ﴾ [الأنفال: ١٦] بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: حُكْمُهَا مُحْكَمٌ، وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ، وَحُكْمُهَا ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذَا لَقَوُا الْعَدُوَّ أَنْ يُولُّوهُمُ الدُّبُرَ مُنْهَزِمِينَ، إِلَّا لِتَحَرُّفِ الْقِتَالِ، أَوْ لِتَحَيُّزٍ إِلَى فِئَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ مَنْ وَلَّاهُمُ الدُّبُرَ بَعْدَ -[٨٢]- الزَّحْفِ لِقِتَالٍ مُنْهَزِمًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ إِحْدَى الْخَلَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَبَاحَ اللَّهُ التَّوْلِيَةَ بِهِمَا، فَقَدِ اسْتَوْجَبَ مِنَ اللَّهِ وَعِيدَهُ إِلَّا أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هِيَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، لَمَّا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمِ لِحُكْمِ آيَةٍ بِنَسْخٍ وَلَهُ فِي غَيْرِ النَّسْخِ وَجْهٌ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا مِنْ خَبَرٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ أَوْ حُجَّةِ عَقْلٍ، وَلَا حُجَّةَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعنيَيْنِ تَدُلُّ عَلَى نَسْخِ حُكْمِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ﴾ [الأنفال: ١٦]