الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: ١٩] أَيْ: وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ لَنْ يُغْنِيَ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ يَنْصُرُهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ " وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ﴾ [الأنفال: ١٩] وَإِنْ تَعُودُوا لِلِاسْتِفْتَاحِ نَعُدْ لَفَتْحِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَا مَعْنًى لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَانَ ضَمِنَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ أَذِنَ لَهُ فِي حَرْبِ أَعْدَائِهِ إِظْهَارَ دِينِهِ وَإِعْلَاءَ كَلِمَتِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَفْتِحَ أَبُو جَهْلٍ وَحِزْبُهُ، فَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ إِنْ تَنْتَهُوا عَنِ الِاسْتِفْتَاحِ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ وَعَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَتْحَ بِقَوْلِهِ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: ٣٩] اسْتَفْتَحَ الْمُشْرِكُونَ أَوْ لَمْ يَسْتَفْتِحُوا
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " ﴿وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ﴾ [الأنفال: ١٩] إِنْ تَسْتَفْتِحُوا الثَّانِيَةَ نَفْتَحْ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ﴿وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩] مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ". وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩] فَفَتَحَهَا عَامَّةُ قُرَّاءِ -[٩٧]- أَهْلِ الْمَدِينَةِ، بِمَعْنَى: وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ، وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ. فَعَطَفَ بِـ «أَنَّ». عَلَى مَوْضِعِ «وَلَوْ كَثُرَتْ» كَأَنَّهُ قَالَ: لِكَثْرَتِهَا، وَلِأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ مَوْضِعُ «أَنَّ» حِينَئِذٍ نَصْبًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ أَنَّ فَتَحَهَا إِذَا فُتِحَتْ عَلَى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيَدِ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: ١٨]، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩] عَطْفًا بِالْأُخْرَى عَلَى الْأُولَى. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: (وَإِنَّ اللَّهَ) بِكَسْرِ الْأَلْفِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَاعْتَلُّوا بِأَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ». وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ كَسِرَ إِنَّ لِلِابْتِدَاءِ، لِتَقَضِّيَ الْخَبَرُ قَبْلَ ذَلِكَ عَمَّا يَقْتَضِي قَوْلَهُ: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾