حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: " ﴿ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ﴾ [يونس: ٧١] قَالَ: اقْضُوا إِلَيَّ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ " حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ﴾ [يونس: ٧١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: امْضُوا إِلَيَّ، كَمَا يُقَالُ: قَدْ قَضَى فُلَانٌ، يُرَادُ: قَدْ مَاتَ وَمَضَى. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ مَعْنَاهُ: ثُمَّ افْرُغُوا إِلَيَّ، وَقَالُوا: الْقَضَاءُ: الْفَرَاغُ، وَالْقَضَاءُ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا: وَكَأَنَّ قَضَى دِينَهُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فَرَغَ مِنْهُ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: «ثُمَّ أَفْضُوا إِلَيَّ» بِمَعْنَى: تَوَجَّهُوا إِلَيَّ حَتَّى تُصَلُّوا إِلَيَّ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ أَفْضَى إِلَيَّ الْوَجَعُ وَشِبْهُهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُنْظِرُونِ﴾ [يونس: ٧١] يَقُولُ: وَلَا تُؤَخِّرُونَ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَنْظَرْتُ فُلَانًا بِمَا لِي عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ. -[٢٣٥]- وَإِنَّمَا هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ قَوْلِ نَبِيِّهِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ: إِنَّهُ بِنُصْرَةِ اللَّهِ لَهُ عَلَيْهِمْ وَاثِقٌ وَمِنْ كَيْدِهِمْ وَتَوَاثُقِهِمْ غَيْرُ خَائِفٍ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ آلِهَتَهُمْ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، يَقُولُ لَهُمُ: امْضُوا مَا تُحَدِّثُونَ أَنْفُسَكُمْ بِهِ فِيَّ عَلَى عَزْمٍ مِنْكُمْ صَحِيحٍ، وَاسْتَعِينُوا مَنْ شَايَعَكُمْ عَلَيَّ بِآلِهَتِكُمُ الَّتِي تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَلَا تُؤَخِّرُوا ذَلِكَ فَإِنِّي قَدْ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ وَأَنَا بِهِ وَاثِقٌ أَنَّكُمْ لَا تَضُرُّونِي إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ، فَإِنَّهُ حَثٌّ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ، وَتَعْرِيفٌ مِنْهُ سَبِيلَ الرَّشَادِ فِيمَا قَلَّدَهُ مِنَ الرِّسَالَةِ وَالْبَلَاغِ عَنْهُ