حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: " ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: يُقَابِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا " وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الَّذِي قَدَّمْنَا بَيَانَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ مَعَانِي الْبُيُوتِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَسَاجِدُ بُيُوتًا، الْبُيُوتُ الْمَسْكُونَةُ إِذَا ذُكِرَتْ بِاسْمِهَا الْمُطْلَقِ دُونَ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لَهَا اسْمٌ هِيَ بِهِ مَعْرُوفَةٌ خَاصٌ لَهَا، وَذَلِكَ الْمَسَاجِدُ. فَأَمَّا الْبُيُوتُ الْمُطْلَقَةُ بِغَيْرِ وَصْلِهَا بِشَيْءٍ، وَلَا إِضَافَتِهَا إِلَى شَيْءٍ، فَالْبُيُوتُ الْمَسْكُونَةُ، وَكَذَلِكَ الْقِبْلَةُ؟ الْأَغْلَبُ مِنَ اسْتِعْمَالِ النَّاسِ إِيَّاهَا فِي قِبَلِ الْمَسَاجِدِ وَالصَّلَوَاتِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ تَوْجِيهِ مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ إِلَّا إِلَى الْأَغْلَبِ مِنْ وجُوهِهَا الْمُسْتَعْمَلِ بَيْنَ أَهْلِ اللِّسَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ دُونَ الْخَفِيِّ الْمَجْهُولِ مَا لَمْ تَأْتِ دَلَالَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] دَلَالَةٌ تَقْطَعُ الْعُذْرَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ غَيْرُ الظَّاهِرِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، لَمْ يَجُزْ لَنَا تَوْجِيهُهُ إِلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ الَّذِي وَصَفْنَا. وَكذلك القول في قَوْلُهُ: ﴿قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [يونس: ٨٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَدُّوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِحُدُودِهَا فِي أَوْقَاتِهَا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَبِشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَبِشِّرْ مُقِيمِي الصَّلَاةِ الْمُطِيعِي اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ الْمُؤْمِنِينَ بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ مِنْهُ