يَحْلِفُوا لِإِعْرَاضِهِمْ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر]
سَمَوْتَ وَلَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِتَسْمُو | وَلَكِنَّ الْمُضَيِّعَ قَدْ يُصَابُ |
قَالَ: وَإِنَّمَا يُقَالُ: وَمَا كُنْتَ أَهْلًا لِلْفِعْلِ، وَلَا يُقَالُ لِتَفْعَلَ إِلَّا قَلِيلًا. قَالَ: وَهَذَا مِنْهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهَا لَامُ كَيْ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَهُمْ مَا أَعْطَيْتَهُمْ مِنْ زِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْأَمْوَالِ لِتَفْتِنَهُمْ فِيهِ، وَيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ عِبَادَكَ، عُقُوبَةً مِنْكَ. وَهَذَا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:
﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] وَقَوْلُهُ:
﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] هَذَا دُعَاءٌ مِنْ مُوسَى، دَعَا اللَّهَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ أَنْ يُغَيِّرَ أَمْوَالَهُمْ عَنْ هَيْئَتِهَا، وَيُبْدِلَهَا إِلَى غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي هِيَ بِهَا، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ:
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] يَعْنِي بِهِ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نُغَيِّرَهَا عَنْ هَيْئَتِهَا الَّتِي هِيَ بِهَا، يُقَالُ مِنْهُ: طُمِسَتْ عَيْنُهُ أَطْمِسُهَا وَأَطْمِسُهَا طَمْسًا وَطُمُوسًا، وَقَدْ تَسْتَعْمِلُ الْعَرَبُ الطَّمْسَ فِي الْعَفْوِ وَالدُّثُورِ وَفِي الِانْدِقَاقِ وَالدُّرُوسِ، كَمَا قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
[البحر البسيط]
مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ | عُرْضَتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ |
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فِيهِ مِثْلَ قَوْلِنَا.