حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: «لَمْ يَشُكِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْأَلْ»
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: " ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا أَشُكُّ وَلَا أَسْأَلُ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: " ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا أَشُكُّ وَلَا أَسْأَلُ» فِإِنْ قَالَ: فَمَا وَجْهُ مَخْرَجِ هَذَا الْكَلَامِ إِذَنْ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ؟ قِيلَ: قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا اسْتِجَازَةَ الْعَرَبِ قَوْلَ الْقَائِلِ مِنْهُمْ لِمَمْلُوكِهِ: إِنْ كُنْتَ مَمْلُوكِي فَانْتَهِ إِلَى أَمْرِي؛ وَالْعَبْدُ الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ لَا يَشُكُّ سَيِّدُهُ الْقَائِلُ لَهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَبْدُهُ. كَذَلِكَ قَوْلُ الرَّجُلِ مِنْهُمْ لِابْنِهِ: إِنْ كُنْتَ ابْنِي فَبِرَّنِي؛ وَهُوَ لَا يَشُكُّ فِي ابْنِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ صَحِيحٌ مُسْتَفِيضٌ فِيهِمْ، وَذَكَرْنَا ذَلِكَ بِشَوَاهِدٍ، وَأَنَّ مِنْهُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦] وَقَدْ عَلِمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ عِيسَى لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ. وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاكًّا فِي حَقِيقَةِ خَبَرِ اللَّهِ وَصِحَّتِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ كَانَ عَالِمًا، وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَاطَبَهُ خِطَابَ قَوْمِهِ -[٢٨٩]- بَعْضُهُمْ بَعْضًا، إِذْ كَانَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِهِمْ نَزَلَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ [يونس: ٩٤].. الْآيَةَ، فَهُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ مُبْتَدَأٌ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أُقْسِمُ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ الْيَقِينُ مِنَ الْخَبَرِ بِأَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يَعْلَمُونَ صِحَّةَ ذَلِكَ، وَيَجِدُونَ نَعْتَكَ عِنْدَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ. ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧] يَقُولُ: فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِينَ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ وَحَقِيقَتِهِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خُوطِبَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ بِهَا بَعْضُ مَنْ لَمْ يَكُنْ صَحَّتْ بَصِيرَتُهُ بِنُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ بِلِسَانِهِ، تَنْبِيهًا لَهُ عَلَى مَوْضِعِ تَعَرُّفِ حَقِيقَةِ أَمْرِهِ الَّذِي يُزِيلُ اللَّبْسَ عَنْ قَلْبِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الأحزاب: ١] ؛ كَانَ قَوْلًا غَيْرُ مَدْفُوعَةٍ صِحَّتُهُ