يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ﴾ [هود: ٢٥] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿نَذِيرٌ﴾ [المائدة: ١٩] مِنَ اللَّهِ أُنْذِرُكُمْ بَأْسَهُ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ، فَآمِنُوا بِهِ وَأَطِيعُوا أَمَرَهُ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨] يُبَيِّنُ لَكُمْ عَمَّا أَرْسَلَ بِهِ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي﴾ [البقرة: ٣٠] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَبَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ بِكَسْرِ «إِنَّ» عَلَى وَجْهِ الِابْتِدَاءِ، إِذْ كَانَ فِي الْإِرْسَالِ مَعْنَى الْقَوْلِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ بِفَتْحِ «أَنَّ» عَلَى إِعْمَالِ الْإِرْسَالِ فِيهَا، كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ بِأَنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ كَانَ مُصِيبًا لِلصَّوَابِ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ [هود: ٢٦] فَمَنْ كَسَرَ الْأَلْفَ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي﴾ [البقرة: ٣٠] جَعَلَ قَوْلَهُ: ﴿أَرْسَلْنَا﴾ [البقرة: ١٥١] عَامِلًا فِي «أَنْ» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ [هود: ٢٦] وَيَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ، أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، وَقُلْ لَهُمْ ﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [هود: ٢٥] وَمَنْ فَتَحَهَا، رَدَّ «أَنْ» فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا﴾ [هود: ٢٦] عَلَيْهَا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ بِأَنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ، عِبَادَةَ الْآلِهَةِ،