وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَبَعْضِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: «فَعَمِيَتْ» بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، بِمَعْنَى: فَعَمِيَتِ الرَّحْمَةُ عَلَيْكُمْ، فَلَمْ تَهْتَدُوا لَهَا، فَتُقِرُّوا بِهَا وَتُصَدِّقُوا رَسُولَكُمْ عَلَيْهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ [هود: ٢٨] بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، اعْتِبَارًا مِنْهُمْ ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا فِيمَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «فَعَمَاهَا عَلَيْكُمْ». وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ [هود: ٢٨] بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ لِلَّذِي ذَكَرُوا مِنَ الْعِلَّةِ لِمَنْ قَرَأَ بِهِ، وَلِقُرْبِهِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ﴾ [هود: ٢٨] فَأَضَافَ الرَّحْمَةَ إِلَى اللَّهِ، فَكَذَلِكَ تَعْمِيَتُهُ عَلَى الْآخَرِينَ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ أَوْلَى. وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ مِمَّا حَوَّلَتِ الْعَرَبُ الْفِعْلَ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ الَّذِي يَعْمَى عَنْ إِبْصَارِ الْحَقِّ، إِذْ يَعْمَى عَنْ إِبْصَارِهِ، وَالْحَقُّ لَا يُوصَفُ بِالْعَمَى إِلَّا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الَّذِي قَدْ جَرَى بِهِ الْكَلَامُ، وَهُوَ فِي جَوَازِهِ لِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ إِيَّاهُ، نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: دَخَلَ الْخَاتَمُ فِي يَدِي، وَالْخُفُّ فِي رِجْلِي، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرِّجْلَ هِيَ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْخُفِّ، وَالْأُصْبُعَ فِي الْخَاتَمِ، وَلَكِنَّهُمُ اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا الْمُرَادُ فِيهِ.