نُوحٍ أَنِ اضْرِبْ بَيْنَ عَيْنَيِ الْأَسَدِ فَخَرَجَ مِنْ مَنْخَرِهِ سُنُّورٌ وَسُنُّورَةٌ، فَأَقْبَلَا عَلَى الْفَأْرِ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: كَيْفَ عَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ غَرِقَتْ؟ قَالَ: بَعَثَ الْغُرَابَ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَدَعَا عَلَيْهِ بِالْخَوْفِ، فَلِذَلِكَ لَا يَأْلَفُ الْبُيُوتَ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ الْحَمَامَةَ فَجَاءَتْ بِوَرَقِ زَيْتُونِ بِمِنْقَارِهَا وَطِينٍ بِرِجْلَيْهَا، فَعَلِمَ أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ غَرِقَتْ، قَالَ: فَطَوَّقَهَا الْخُضْرَةَ الَّتِي فِي عُنُقِهَا، وَدَعَا لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي أُنْسٍ وَأَمَانٍ، فَمِنْ ثَمَّ تَأْلَفُ الْبُيُوتَ. قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَنْطَلِقُ بِهِ إِلَى أَهْلِينَا، فَيَجْلِسُ مَعَنَا، وَيُحَدِّثُنَا؟ قَالَ: كَيْفَ يَتَّبِعُكُمْ مَنْ لَا رِزْقَ لَهُ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: عُدْ بِإِذْنِ اللَّهِ، قَالَ: فَعَادَ تُرَابًا "
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: " أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْطِشُونَ بِهِ يَعْنِي قَوْمَ نُوحٍ فَيَخْنِقُونَهُ حَتَّى يَغْشَى عَلَيْهِ، فَإِذَا أَفَاقَ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ حَتَّى إِذَا تَمَادَوْا فِي الْمَعْصِيَةِ، وَعَظُمَتْ فِي الْأَرْضِ مِنْهُمُ الْخَطِيئَةُ، وَتَطَاوَلَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الشَّأْنُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ مِنْهُمُ الْبَلَاءُ، وَانْتَظَرَ النَّجْلَ بَعْدَ النَّجْلِ، فَلَا يَأْتِي قَرْنٌ إِلَّا كَانَ أَخْبَثَ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي قَبْلَهُ، حَتَّى إِنْ كَانَ الْآخِرُ مِنْهُمْ لَيَقُولُ: قَدْ كَانَ هَذَا مَعَ آبَائِنَا، وَمَعَ أَجْدَادِنَا هَكَذَا مَجْنُونًا لَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ شَيْئًا. حَتَّى شَكَا ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ نُوحٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ: ﴿رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ [نوح: ٦] إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، حَتَّى قَالَ ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا -[٣٩٧]- فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. فَلَمَّا شَكَا ذَلِكَ مِنْهُمْ نُوحٌ إِلَى اللَّهِ وَاسْتَنْصَرَهُ عَلَيْهِمْ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [هود: ٣٧] أَيْ بَعْدَ الْيَوْمِ، ﴿إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [هود: ٣٧] فَأَقْبَلَ نُوحٌ عَلَى عَمَلِ الْفُلْكِ، وَلَهَى عَنْ قَوْمِهِ، وَجَعَلَ يَقْطَعُ الْخَشَبَ، وَيَضْرِبُ الْحَدِيدَ، وَيُهَيِّئُ عِدَّةَ الْفُلْكِ مِنَ الْقَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا هُوَ. وَجَعَلَ قَوْمُهُ يَمُرُّونَ بِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِ، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ، فَيَقُولُ: ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [هود: ٣٨] قَالَ: وَيَقُولُونَ لَهُ فِيمَا بَلَغَنِي: يَا نُوحُ قَدْ صِرْتَ نَجَّارًا بَعْدَ النُّبُوَّةِ قَالَ: وَأَعْقَمَ اللَّهُ أَرْحَامَ النِّسَاءِ، فَلَا يُولَدُ لَهُمْ وَلَدٌ. قَالَ: وَيَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يَصْنَعَ الْفُلْكَ مِنْ خَشَبِ السَّاجِ، وَأَنْ يَصْنَعَهُ أَزْوَرَ، وَأَنْ يَطْلِيَهُ بِالْقَارِ مِنْ دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ طُولَهُ ثَمَانِينَ ذِرَاعًا، وَأَنْ يَجْعَلَهُ ثَلَاثَةَ أَطْبَاقٍ: سَفَلًا وَوَسَطًا وَعُلُوًّا، وَأَنْ يَجْعَلَ فِيهِ كُوًى. فَفَعَلَ نُوحٌ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُ وَقَدْ عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ، فَاحْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ، وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ، وَقَدْ جَعَلَ التَّنُّورَ آيَةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَالَ ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود: ٤٠] وَارْكَبْ. فَلَمَّا فَارَ التَّنُّورُ حَمَلَ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ، وَكَانُوا قَلِيلًا كَمَا قَالَ اللَّهُ، وَحَمَلَ فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ مِمَّا فِيهِ الرُّوحُ وَالشَّجَرُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، -[٣٩٨]- فَحَمَلَ فِيهِ بَنِيهِ الثَّلَاثَةَ: سَامَ وَحَامَ وَيَافِتَ وَنِسَاءَهُمْ، وَسِتَّةَ أُنَاسٍ مِمَّنْ كَانَ آمَنَ بِهِ، فَكَانُوا عَشَرَةَ نَفَرٍ: نُوحٌ وَبَنُوهُ وَأَزْوَاجُهُمْ، ثُمَّ أَدْخَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنَ الدَّوَابِّ وَتَخَلَّفَ عَنْهُ ابْنُهُ يَامُ، وَكَانَ كَافِرًا "