وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ ﴿قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ﴾ [هود: ٦٩] عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ، بِنَحْوِ تَسْلِيمِهِمْ، عَلَيْكُمُ السَّلَامُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ السِّلْمَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى السَّلَامِ عَلَى مَا وَصَفْتُ، وَالسَّلَامَ بِمَعْنَى السِّلْمِ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَكَادُ يَكُونُ إِلَّا بَيْنَ أَهْلِ السِّلْمِ دُونَ الْأَعْدَاءِ، فَإِذَا ذُكِرَ تَسْلِيمٌ مِنْ قَوْمٍ عَلَى قَوْمٍ وَرَدَّ الْآخَرِينَ عَلَيْهِمْ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُسَالَمَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَهْلُ قُدْوَةٍ فِي الْقِرَاءَةِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] وَأَصْلُهُ مَحْنُوذٍ، صُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيلٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْهُمْ: مَعْنَى الْمَحْنُوذِ: الْمَشْوِي، قَالَ: وَيُقَالُ مِنْهُ: حَنَذْتُ فَرَسِي، بِمَعْنَى سَخَّنْتُهُ وَعَرَّقْتُهُ. وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
وَرَهِبَا مِنْ حَنْذِهِ أَنْ يَهْرَجَا