حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " ﴿فَضَحِكَتْ﴾ [هود: ٧١] يَعْنِي سَارَةَ لَمَّا عَرَفَتْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَلَمَّا تَعْلَمُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ فَبَشَّرُوهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ بِابْنٍ وَبِابْنِ ابْنٍ، فَقَالَتْ وَصَكَّتْ وَجْهَهَا يُقَالُ: ضَرَبَتْ عَلَى جَبِينِهَا: ﴿يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ﴾ [هود: ٧٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود: ٧٣] " وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءِ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ: «وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ» بِرَفْعِ «يَعْقُوبُ»، وَيُعِيدُ ابْتِدَاءَ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ﴾ وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ خَبَرَ مُبْتَدَأِِ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَعْنَى التَّبْشِيرِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ: ﴿وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ نَصْبًا؛ فَأَمَّا الشَّامِيُّ مِنْهُمَا فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْحُو بِيَعْقُوبَ نَحْوَ النَّصْبِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ آخَرَ مُشَاكِلٍ لِلْبِشَارَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، فَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ «وَهَبْنَا» عَمِلَ فِيهِ التَّبْشِيرُ وَعَطَفَ بِهِ عَلَى مَوْضِعِ «إِسْحَاقَ»، إِذْ -[٤٨٢]- كَانَ إِسْحَاقُ، وَإِنْ كَانَ مَخْفُوضًا فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْمَنْصُوبِ بِعَمَلِ «بَشَّرْنَا» فِيهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط]
جِئْنِي بِمِثْلِ بَنِي بَدْرٍ لِقَوْمِهِمُ | أَوْ مِثْلَ أُسْرَةِ مَنْظُورِ بْنِ سَيَّارِ |
أَوْ عَامِرَ بْنَ طُفَيْلٍ فِي مُرَكَّبِهِ | أَوْ حَارِثًا يَوْمَ نَادَى الْقَوْمُ يَا حَارِ |