وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يُجَادِلُنَا﴾ [هود: ٧٤] يُكَلِّمُنَا، وَقَالَ: لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَا يُجَادِلُ اللَّهَ إِنَّمَا يَسْأَلُهُ وَيَطْلُبُ مِنْهُ. وَهَذَا مِنَ الْكَلَامِ جَهْلٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَنَا فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يُجَادِلُ فِي قَوْمِ لُوطٍ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِبْرَاهِيمُ لَا يُجَادِلُ، مُوهُمًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿يُجَادِلُنَا﴾ [هود: ٧٤] يُخَاصِمُنَا، أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يُخَاصِمُ رَبَّهُ جَهْلٌ مِنَ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا كَانَ جِدَالُهُ الرُّسُلَ عَلَى وَجْهِ الْمُحَاجَّةِ لَهُمْ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُ رُسُلُنَا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا عُرِفَ الْمُرَادُ مِنَ الْكَلَامِ حَذَفَ الرُّسُلَ. وَكَانَ جِدَالُهُ إِيَّاهُمْ كَمَا:
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرٌ، عَنْ سَعِيدٍ، " ﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٤] قَالَ: لَمَّا جَاءَ جَبْرَئِيلُ، وَمَنْ مَعَهُ قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ: ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [العنكبوت: ٣١] قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: أَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا أَرْبَعُ مِائَةِ مُؤْمِنٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا ثَلَاثُ مِائَةِ مُؤْمِنٍ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا مِئَتَا مُؤْمِنٍ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا أَرْبَعُونَ مُؤْمِنًا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مُؤْمِنًا؟ قَالُوا: لَا. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَعَدُّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ بِامْرَأَةِ لُوطٍ، فَسَكَتَ عَنْهُمْ، وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ "
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا الْحِمَّانِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ -[٤٩٠]- جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " قَالَ الْمَلَكُ لِإِبْرَاهِيمَ: إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسَةٌ يُصَلُّونَ رُفِعَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ "


الصفحة التالية
Icon