وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ كَانَ فِي قِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ: وَإِنْ كُلًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ أَيْ لَيُوَفِّيَنَّ كُلًّا، فَيَكُونُ نِيَّتُهُ فِي نَصْبِ «كُلٍّ» كَانَتْ بِقَوْلِهِ: «لَيُوَفِّيَنَّهُمْ»، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَرَادَ فَفِيهِ مِنَ الْقُبْحِ مَا ذَكَرْتُ مِنْ خِلَافِهِ كَلَامَ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَنْصِبُ بِفِعْلٍ بَعْدَ لَامِ الْيَمِينِ اسْمًا قَبْلَهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: «وَإِنَّ» مُشَدَّدَةٌ «كُلًّا لَمَا» مُخَفَّفَةٌ ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ [هود: ١١١] وَلِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ مِنَ الْمَعْنَى: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَارِئُهَا أَرَادَ: وَإِنَّ كُلًّا لَمَنْ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ، فَيُوَجِّهُ «مَا» الَّتِي فِي «لَمَّا» إِلَى مَعْنَى «مَنْ» كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣] وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَهَا فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ، وَيَنْوِي بِالْلَّامِ الَّتِي فِي «لَمَّا» الْلَّامَ الَّتِي يُتَلَقَّى بِهَا «وَإِنَّ» جَوَابًا لَهَا، وَبِالْلَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ [هود: ١١١] لَامَ الْيَمِينِ دَخَلَتْ فِيمَا بَيْنَ مَا وَصِلَتِهَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ [النساء: ٧٢] وَكَمَا يُقَالُ هَذَا مَا لِغَيْرِهِ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرِ: أَنْ يَجْعَلَ «مَا» الَّتِي فِي «لَمَّا» بِمَعْنَى «مَا» الَّتِي تَدْخُلُ صِلَةً فِي الْكَلَامِ، وَاللَّامُ الَّتِي فِيهَا، الْلَّامُ الَّتِي يُجَابُ بِهَا، وَاللَّامُ الَّتِي فِي: ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ [هود: ١١١] هِيَ أَيْضًا الْلَّامُ الَّتِي يُجَابُ بِهَا «إِنَّ» كُرِّرَتْ وَأُعِيدَتْ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ مَوْضِعَهَا، وَكَانَتِ الْأُولَى مِمَّا تُدْخِلُهَا الْعَرَبُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، ثُمَّ تُعِيدُهَا بَعْدُ فِي مَوْضِعِهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَوْ أَنَّ قَوْمِي لَمْ يَكُونُوا أَعِزَّةً | لَبَعْدُ لَقَدْ لَاقَيْتُ لَا بُدَّ مَصْرَعَا |