حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ. ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، " ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوَا فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١٢٢].. الْآيَةَ، قَالَ: لِيَتَفَقَّهَ الَّذِينَ قَعَدُوا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ. ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٢٢] يَقُولُ: لِيُنْذِرُوا الَّذِينَ خَرَجُوا إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، " ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ [التوبة: ١٢٢] قَالَا. كَافَّةً، وَيَدَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لِتَتَفَقَّهِ الطَّائِفَةُ النَّافِرَةُ دُونَ الْمُتَخَلِّفَةِ وَتُحَذِّرُ النَّافِرَةُ الْمُتَخَلِّفَةَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: " ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوَا فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١٢٢] قَالَ: لِيَتَفَقَّهَ الَّذِينَ خَرَجُوا بِمَا يُرِيهِمُ اللَّهُ مِنَ الظُّهُوَرِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَالنُّصْرَةِ، وَيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ " -[٨٣]- وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: تَأْوِيلُهُ. وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا جَمِيعًا وَيَتْرُكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ نَهَى بِهَذِهِ الْآيَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنْ يَخْرُجُوا فِي غَزْو وَجِهَادٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ وَيَدَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِيدًا، وَلَكَنْ عَلَيْهِمْ إِذَا سَرَى رَسُولُ اللَّهِ سَرِيَّةً أَنْ يَنْفِرَ مَعَهَا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَهِيَ الْفِرْقَةُ. ﴿طَائِفَةٌ﴾ [التوبة: ١٢٢] وَذَلِكَ مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى مَا بَلَغَ مِنَ الْعَدَدِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ [التوبة: ١٢٢] يَقُولُ: فَهَلَّا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ وَهَذَا إِلَى هَاهُنَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَظَرَ التَّخَلُّفَ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنَ الْأَعْرَابِ لِغَيْرِ عُذْرٍ يُعْذَرُونَ بِهِ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ لِغَزْو وَجِهَادِ عَدُوٍّ قِبَلَ هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٢٠]، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ [التوبة: ١٢٢] فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ إِذْ كَانَ قَدْ عَرَّفَهُمْ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا اللَّازِمَ لَهُمْ مِنْ فَرْضِ النَّفْرِ وَالْمُبَاحِ لَهُمْ مِنْ تَرْكِهِ فِي حَالِ غَزْوِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشُخُوصِهِ عَنْ مَدِينَتِهِ لجهادِ عَدُوٍّ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُمُ التَّخَلُّفُ خِلَافَهُ إِلَّا لِعُذْرٍ بَعْدَ اسْتِنْهَاضِهِ بَعْضَهُمْ وَتَخْلِيفِهِ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ عَقِيبُ تَعْرِيفِهِمْ ذَلِكَ تَعْرِيفَهُمُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ عِنْدَ مُقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَدِينَتِهِ وَإِشْخَاصِ غَيْرَهُ عَنْهَا، كَمَا كَانَ الِابْتِدَاءُ بِتَعْرِيفِهِمُ الْوَاجِبَ عِنْدَ شُخُوصِهِ وَتَخْلِيفِهِ بَعْضَهُمْ، -[٨٤]- وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لِيَتَفَقَّهُوَا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٢٢] فَإِنَّ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: لِيَتَفَقَّهَ الطَّائِفَةُ النَّافِرَةُ بِمَا تُعَايِنَ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ أَهْلَ دِينِهِ وَأَصْحَابَ رَسُولِهِ عَلَى أَهْلِ عَدَاوَتِهِ وَالْكُفْرِ بِهِ، فَيَفْقَهُ بِذَلِكَ مِنْ مُعَايَنَتِهِ حَقِيقَةَ عِلْمِ أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَظُهُوَرِهِ عَلَى الْأَدْيَانِ مَنْ لَمْ يَكُنْ فَقِهَهُ، وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ فَيَحْذَرُوهُمْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ مِثْلُ الَّذِي نَزَلَ بِمَنْ شَاهَدُوا وَعَايَنُوا مِمَّنْ ظَفَرَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ إِذَا هُمْ رَجَعُوا إِلَيْهِمْ مِنْ غَزْوِهِمْ. ﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢] يَقُولُ: لَعَلَّ قَوْمَهُمْ إِذَا هُمْ حَذَّرُوهُمْ مَا عَايَنُوا مِنْ ذَلِكَ يَحْذَرُونَ، فَيُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، حَذَرًا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِالَّذِينَ أُخْبِرُوا خَبَرَهُمْ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ النَّفْرَ قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُطْلَقًا بِغَيْرِ صِلَةٍ بِشَيْءٍ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ إِيَّاهُ فِي الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَبُ مِنَ الْمَعَانِي فِيهِ، وَكَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوَا فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١٢٢] عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ: «لِيَتَفَقَّهُوَا» إِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلنَّفْرِ لَا لِغَيْرِهِ، إِذْ كَانَ يَلِيهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: لِيَتَفَقَّهَ الْمُتَخَلِّفُونَ فِي الدِّينِ؟ قِيلَ: نُنْكِرُ ذَلِكَ لِاسْتِحَالَتِهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ نَفْرَ الطَّائِفَةِ النَّافِرَةِ لَوْ كَانَ سَبَبًا لِتَفَقِّهِ الْمُتَخَلِّفَةِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُقَامُهَا مَعَهُمْ سَبَبًا لِجَهْلِهِمْ وَتَرْكِ التَّفََقُّهَ؛ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مَقَامَهُمْ لَوْ أَقَامُوا وَلَمْ يَنْفِرُوا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِمَنْعِهِمْ مِنَ التَّفَقُّهِ. -[٨٥]- وَبَعْدُ، فَإِنَّهُ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٢٢] عَطَفًا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿لِيَتَفَقَّهُوَا فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١٢٢] وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّائِفَةَ النَّافِرَةَ لَمْ يَنْفِرُوا إِلَّا وَالْإِنْذَارُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنَ اللَّهِ إِلَيْهَا، وَلِلْإِنْذَارِ وَخَوْفِ الْوَعِيدِ نَفَرَتْ، فَمَا وَجْهُ إِنْذَارِ الطَّائِفَةِ الْمُتَخَلِّفَةِ الطَّائِفَةَ النَّافِرَةَ وَقَدْ تَسَاوَتَا فِي الْمَعْرِفَةِ بِإِنْذَارِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا؟ وَلَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا جَائِزٌ أَنْ تُوصَفَ بِإِنْذَارِ الْأُخْرَى، لَكَانَ أَحَقَّهُمَا بِأَنْ يُوصَفَ بِهِ الطَّائِفَةُ النَّافِرَةُ، لِأَنَّهَا قَدْ عَايَنَتْ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَنُصْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ مَا لَمْ تُعَايِنِ الْمُقِيمَةُ، وَلَكَنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهَا تُنْذِرُ مِنْ حَيِّهَا وَقَبِيلَتِهَا وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ إِذَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ مَا أُنْزِلَ بِمَنْ عَايَنَتْهُ مِمَّنْ أَظْفَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نُظَرَائِهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ